مجللاً بتهم الاحتيال وتلقي الرشى وخيانة الأمانة، ينهي بنيامين نتنياهو تاريخه الشخصي والسياسي معاً ... ثمة ما يشي بأن قطار الرجل قد وصل محطته الأخيرة، بعد أن ملأ الأرض والفضاء تهديداً ووعيداً، مراوغة واحتيالاً، كذباً وتذاكياً ... وسيذكره الفلسطينيون كواحد من أكثر رؤساء حكومات إسرائيلية عنصرية وكراهية.
في «خريف العمر»، يعود نتنياهو إلى منزله، والأرجح إلى زنزانته ... استنفذ كل ما في جعبته من حيل وأحابيل ... خطابه الأخير المفعم بأحاسيس «الضحية» و»المظلومية»، لن يشفع كثيراً، وحديثه عن «انقلاب ناعم» عليه وعلى حكومته، رد عليه النائب العام، لا سياسة ولا يمين أو يسار، كل ما في الأمر، أن الرجل متهم بارتكاب جرائم يحاسب عليها القانون ... لا مطرح لنظرية المؤامرة هنا، فهو ذاته من اختار شخص المستشار أفيخاي مندلبليت، من دائرة أصدقائه، وربما تحسباً للحظة كهذه، فالرجل الذي أفلت في مرات سابقة، من قبضة الملاحقة والقانون، وقع هذه المرة.
الانتخابات الثالثة في غضون عام، السابقة غير المعهودة في تاريخ إسرائيل، باتت على مرمى حجر ... هذه المرة، قد يغيب نتنياهو عن قوائم الترشيح، وقد يشارك، لكن المؤكد، أن الرجل لن يتمكن من تشكيل حكومته الخامسة، وكان فشل مرتين هذا العام في تشكيل حكومة جديدة ... وأغلب الترجيحات تشير إلى أن الليكود سيخسر إن هو استمسك بزعيمه الملاحق قضائياً، وثمة من الحلقة المقربة من نتنياهو من يستعد لغرز سكاكينه الحادة في ظهره عندما يقع، وتلكم واحدة من طبائع الحياة الحزبية في إسرائيل على أية حال.
ليس من بين بدلاء نتنياهو، من حزبه أم من خارجه، من يمكنه أن يكون مختلفاً عن الرجل الذي خبره الفلسطينيون جيداً، وخبرهم ... لكن ذلك لن يمنع الفلسطينيين، في القدس والضفة وغزة وداخل ما يسمى بـ»الخط الأخضر» من الابتهاج شماتة، برجل سامهم سوء العذاب والعدوان والتمييز العنصري ... لقد بلغ به الجنون مبلغه في الأسابيع والأشهر القليلة الفائتة ... لقد قاد بنفسه حفلات الجنون العنصري ضد القائمة العربية، وأطلق العنان لغول الاستيطان والتهويد و»الأسرلة»، وهو لم يتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم ضد المقاومين في غزة والضفة، وهو أرسل طائرات الموت مئات المرات، ضد أهداف في سوريا ولبنان والعراق ... لم يترك الرجل مناسبة، دون أن يضيف إلى رصيد كراهيته من العرب فصولاً جديدة.
الرجل الذي أتقن «فن النجاة» وقيل في وصفه أنه يتوفر على «عدة أرواح»، ما زال شاخصاً كالكابوس في حياة الفلسطينيين، وربما كان الزعيم الإسرائيلي الأوحد، الذي تشكلت حول شخصه، أحزاب وتيارات سياسية في إسرائيل، إما لدعمه وتأييده بوصفه «ملك إسرائيل»، أو لمناهضته والإطاحة به، بوصفه التهديد الأكبر لـ»سيادة القانون» و»ديمقراطية الدولة»... ولعل أكبر الأحزاب في الانتخابات الأخيرة (أزرق – أبيض) ينهض شاهداً على ما نقول، فالحزب في مجمله تشكل على أساس مناهضة نتنياهو كشخص، وليس كتيار أو إيديولوجيا، فهم لا يختلفون عنه بشيء ... لقد توحد الجنرالات الثلاثة ومعهم مائير لبيد، بهدف واحد فقط، وتركوا خلفهم تبايناتهم ونزاعاتهم الشخصية والسياسية: إسقاط نتنياهو أولاً.
ولعله «الزمن الفلسطيني والعربي الرديء»، من أسف، الذي مكّن زعيماً صهيونياً بكل هذه المواصفات الإجرامية، من البقاء طوال هذه السنين على رأس الحكم في إسرائيل، والتمتع في الوقت ذاته، بعلاقات دولية وثيقة، ومع دول متصارعة: واشنطن، موسكو، بكين ونيودلهي، بل وأن يتمكن من إقامة علاقات «تطبيعية» مع دول عربية، وأن يتجول في عواصمها.(الدستور)