خيول المنفعة لا تعدو على ضفاف التايمز
د. نضال القطامين
22-11-2019 10:54 PM
بينما ينصرف الناس على ضفاف التايمز، هنا في لندن، للعيش بكل أسباب الرخاء، ينشغل الناس في العوالم التي سكنها الجزع نحو البحث عن الخبز على اطراف الساحات.
بينما إِسْتَطابَ ساسة الصهاينة الذين يتناسلون كل يوم بأسماء مختلفة، الإنقضاض على حقنا الأبلج في فلسطين، اِسْتَهْنَأت الشعوب العربية بفتات الديمقراطيات الهزيلة، وبالنزر من القوت، ولم يعد بحوزتهم وقت لرفع الصوت والصراخ على من يفقدونا كل يوم ما تبقى من كرامة ومجد.
بينما يعيش الناس هنا في لندن وما حولها من البلاد التي أنعم الله عليها بالحضارة والقوة، وبساسةٍ يمثلون شعوبهم بصدق وحصافة، فقد اقتصت الحوادث منا بانشغالنا في الحروب المختلقة والأزمات المفتعلة، فضاع منا التقاط الإشارات لحياة مثلى ليس الخبز مقدما فيها على الحرية، وكان أن صرنا أُمْثُولَة للشعوب الغارقة في البحث عن أساسيات الحياة قبل كل شيء.
تضيع ملياراتنا وينهب نفطنا ويذهبان أسباباً لصنع الحياة المثلى لقتلة الحكمة في بلادنا.
يضمن الجميع استمرار تدفق النفط لكي تواظب المصانع على تناسل آلات الحروب، حتى إذا انتهت حرب افتعل القوم أخرى، كي لا تهبط الأسهم في أسواقهم وكي تبقى رايات الشركات تعلن دوما مكاسب تحققت على ذل الناس وإذلالهم.
مؤلم ما يمكن للمرء أن يشاهده على ضفاف التايمز وفي أنحاء البلاد التي وهبها الله سبل العيش وإعمار الحياة، مؤلم أن ترى ذلك في الوقت الذي يرسم فيه مشهد البلاد الثالثة، بؤسا وحسرة وعذابات تستنسخ كل يوم باسم مختلف.
لكن الاشد إيلاما، هو رؤية العرب كلهم، ملتحفين الإضطراب ومفترشين العسر والجدب، وقد ذهلوا برؤية الدم في حروبهم الساذجة، واستمرأوا الويلات، فابتلعوا الطعم السائغ من الخديعة والختل اللذيْن ساقهما عليهم من اعتقدوا أنهم طلائع السياسة وأباطرة الأحزاب، وأئمة الجدل والحوارات، وهم في الحقيقة ليسوا اكثر من محترفي تنظير وأرقام صمّاء في قوائم ما يسمى بالاحزاب والصالونات، وقبلوا مكرهين أن يكونوا جزءا من ما أسموها انتخابات مشت قوانينها نحو عبث ظاهر بإراداتهم، ولم تأت سوى بهياكل شبه سياسية متداعية، فلم تكن النتائج تبعا لذلك، سوى مزيد من الفساد في الأرض وتجريد المخاليق من الإنسانية ومن احترام ذواتهم وخلع حرياتهم وطموحاتهم وآمالهم ومستقبل أطفالهم، ودفعهم نحو العيش في حواضن معتمة تشبه الغابات، حيث لا رزق دون امتهان ولا نوم دون قتال ودون دم.
يمضي الإستعمار بأشكاله الجديدة في سلب الأمم إرادتها ورزقها ومقدراتها، ونحن نلهو في الجهل وانتفاء الوعي وفي البحث دون جدوى عن شكل جديد للحياة، يمثلنا فيه ساسةٌ لا ناقة لهم ولا جمل في الحقول التي تتثائب في طولها وعرضها خيول المصلحة والمنفعة.
تمتلىء النفس، هنا على ضفاف التايمز، بالحسرات على الدوائر الضيقة التي وضعوا الناس فيها وأخفوا عنهم دروب التحرر، على الهمم العالية في تاريخنا الكبير التي تنطفىء وهي تواجه رياح المنافع والمكاسب الكريهة، بالغبطة على قوم لا توظف عقولهم وابداعاتهم سوى في العمل والعلم والمعرفة، ولا تمضي بنفوسهم الحادثات إلى حلم بلقمة عيش ولا بوظيفة ولا بمستقبل.
تلك أمة قد خلت من مئات السنين، عرفت دربها فمشاها أهلها على بصيرة نافذة، لا ظمآنين ولا عطاشى.