سأظل ساذجا وأصدق أن الحكومة تريد تحفيز الاقتصاد، وأعتقد أن الحكومة قادرة بالموارد المتاحة والسياسات الممكنة أن تنشئ تحولا اقتصاديا واجتماعيا ايجابيا، بل وأيضا ثورة بيضاء، كل ما نحتاج إليه أن يصدق دولة الرئيس والوزراء القادمون من البنوك والاحتكارات أن توجيه الموارد إلى البنوك والقطاعات العقارية لا يفيد سوى قلة من الناس معظمهم ليسوا من المواطنين، ويكدس الثروة والنفوذ والتأثير بيد قلة أوليغارشية تتداول فيما بينها جميع الموارد والفرص.
لكن تستطيع الحكومة توجيه دعم مباشر لتوفير الغذاء والسكن لـ 20 في المائة من المواطنين الفقراء في المحافظات والبلدات والأطراف، وأن توجه هذه الموارد للخمس الثاني من المواطنين من المزارعين والحرفيين ليوفروا ويوردوا الخدمات المطلوبة للفقراء، وأن تمكن 40 في المائة من المواطنين الفقراء ومتوسطي الحال من امتلاك حيازات زراعية وتساعدهم في إصلاحها وتطويرها، وان يوجه تمويل هذا التطوير إلى المواطنين أنفسهم.. ويمكن توجيه الخمس الثالث إلى صناعات غذائية ودوائية وتقنيات زراعية ومصالح عملية وأقل كلفة في الأثاث والطاقة والمياه ومجموعة من المهن والأعمال المرتبطة مباشرة بتحسين حياة الناس. وتوجه الخمس الرابع إلى امتلاك والمشاركة في البنوك والمناجم والاتصالات والفنادق والشركات الكبرى في الماء والطاقة والكهرباء والسياحة.
هكذا فإن الحكومة تستطيع ان تحفز وتحسن حياة 80 في المائة من المواطنين، وتجعل مواردهم وأعمالهم مرتبطة على نحو حقيقي ومباشر بأماكن إقامتهم وبالموارد المتاحة، وتمكن المواطنين من امتلاك الأصول الأساسية والمالية في البلد، فلا يمكن تصور التحفيز (مهما كنت ساذجا) من غير الملكية والقدرة على التأثير في السياسات والتشريعات والأسواق والقدرة على إسماع الصوت، وبغير ذلك فإن “التحفيز” يتحول إلى إذعان.
وهكذا أيضا فإنها تساعد صغار المزارعين وأصحاب المصالح في الريف لتكون أعمالهم مصدرا لتحسين حياتهم، وتجعل هذه الأعمال مجدية وقابلة للاستمرار ولا يحتاج اهلها إلى هجرها والانتقال إلى عمان التي يتكدس فيها وحولها ثلاثة أرباع المواطنين!! لا أحد يستفيد اليوم من الموارد العامة والنشاط الاقتصادي وتحويلات المغتربين سوى البنوك والمدارس والمستشفيات الخاصة والشركات العقارية ومستوردي السيارات والأدوية.
وبالسذاجة نفسها التي أتمتع بها ولله الحمد فإنني غير قادر على ملاحظة الفرق بين الخطاب الحكومي والبيانات الإعلامية والمؤتمراتية وما يصدر عنها من قرارات وتشريعات وسياسات الموازنة والإنفاق العام وبين مشروعات التحفيز بالطاقة الإيجابية.. على نحو ما فإن الرئيس وفريقه الحكومي ومساعديه يقولون لنا أغمضوا أعينكم وقولوا عشر مرات في الصباح والمساء سيكون اقتصادنا محفزا ولا يوجد فقراء ولا بطالة، ولا تستمعوا إلى الإشاعات و”الساذجين” تذكروا قصص النجاح، لا تناموا قبل أن تجدوا ثلاث قصص نجاح يوميا.. لقد استجبت بالفعل لنداء الرئيس وصدقت الردود على الإشاعات التي لم أسمع بها ابتداء، وتذكرت قصص النجاح المؤكدة والموثقة.. فقد أرسلت لي شركة الاتصالات بأني نجحت في شحن موبايلي بعد أن أخبرتني بأني لم أنجح لأن الرصيد لا يكفي برغم أني شحنت الشركة بالرصيد المطلوب ومعه الضرائب والعمولات، لأجد أن الرصيد ينقص قرشا واحدا، ثم نجحت في إرسال رسالة إلى الشركة بسبعين قرشا اطلب إعادة الشحن بعد أن شحنت إلى الشركة أموالا إضافية.
وبالسذاجة نفسها اكتشفت النجاح والتحفيز الذي يؤمن به الرئيس إيمانا عظيما لا يتزحزح مثل جبال راسخات، لا بد أن نجاح البنوك والشركات والموردين والمدارس والمستشفيات الخاصة وأصحاب شركات الكهرباء والطاقة المتجددة والبترول هو نجاح للمواطنين .. وإذا كان المرابون في خير فإننا في خير.
ولا بد أن الرئيس يلاحظ مثلنا جميعا كيف نجح مرشحو الانتخابات النيابية والنقابية بمقولات لا تقل سذاجة عن قصص التحفيز، وربما تدرج الحكومة التداوي ببول الإبل كجزء من التأمين الصحي، ولا بد أنها فكرة ناجحة وإبداعية في علاج السرطان وأمراض القلب. هي على الأقل منتج مادي ومحسوس وأقل كلفة من مشروعات التحفيز والريادة والإيجابية والإبداع التي أغرقتنا بها الحكومة والمصالح المحيطة بها.
(الغد)