ما الهدف الذي حققه بومبيو؟
د.محمد المومني
21-11-2019 12:05 AM
لعلمه بضعف الرواية وعدم قانونيتها، يختبئ السيد بومبيو خلف إدارة الرئيس ريغان عندما يعلن سياسة أميركية جديدة مفادها “قانونية” المستوطنات “المدنية” في الضفة الغربية، صافعاً العالم وشرعيته، والشعب الفلسطيني والعربي والمسلم من خلفه.
محاولة التماهي مع إدارة ريغان غير صحيحة وخارج سياقها التاريخي، ريغان لم يعلن أو يتبنى سياسة اعتبار المستوطنات قانونية بل جاء حديثه السياسي الفضفاض ضمن سياق حملته الانتخابية التي كان ينافس فيها مرشح اليمين المسيحي “الافانجلكوز”. للتخفيف من وطأة التطاول على القانون الدولي والشرعية الأممية والانقلاب على سياسة أميركية عابرة للادارات، يقول السيد بومبيو إن الولايات المتحدة لا تتخذ موقفاً تجاه أراضي الضفة فذاك متروك للمفاوضات، ولا تعتبر قرارها ضوءاً أخضر لإسرائيل لتكثيف بناء المستوطنات، وأن الهدف من القرار تكثيف الضغط على الفلسطينيين كي يأتوا لطاولة المفاوضات. يعتقد بومبيو أنه مطلوب من الفلسطينيين التفاوض على أراضي الضفة في حين أن قرارات أميركا وإسرائيل لا تعتبرها لهم!
لم تحقق الولايات المتحدة أو تخدم أي مصلحة إستراتيجية لذاتها أو لعملية السلام او الاستقرار في الشرق الاوسط. لذا لا يمكن فهم هذا القرار الخطير الا في سياق سنة انتخابية أميركية تحاول معها الادارة الحالية تفعيل قاعدتها اليمينية، التي تؤمن أن الضفة لإسرائيل وأن قيام إسرائيل ضرورة إنجيلية كتبت قبل آلاف السنين فبعد قيامها سيعود المسيح المنتظر (المسايا) ويقود جيش المؤمنين لقتل غير المؤمنين واليهود! مؤسف ومرعب أن يكون من يصنعون القرار للدولة الاقوى في العالم يستندون في رؤياهم لتعاليم دينية كتبت قبل آلاف السنين. الآن نعلم أن بومبيو لم يكن مازحاً او مبالغاً عندما قال في خطابه في الجامعة الاميركية بالقاهرة أنه يضع الكتاب المقدس في مكتبه يستنير به في قراراته، الرجل كان يعني حرفياً ما يقول وهو أمر خارج سياق العقل والمنطق.
بومبيو وإدارته يدفع بأميركا لتكرر مشهد بريطانيا مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا عندما كانا يقفان بصف والعالم بأسره بما في ذلك الولايات المتحدة بصف آخر. القوة الاكبر بالعالم أميركا تهدم دعائم القانون الدولي التي كانت أصيلة في بنائه منذ الحرب العالمية الاولى، وتنقلب على أسس الشرعية الدولية ومؤسساتها وقيمها الانسانية. اكتسبت الولايات المتحدة حضورها وقوة تأثيرها الدولي ليس لقوتها العسكرية والاقتصادية فحسب، بل لأنها الدولة التي أتت بقيم ويلسون في حق تقرير المصير للشعوب وحقوق الانسان، والدولة التي خاض مؤسسها جورج واشنطن حرباً ضد الاستبداد والاحتلال الاوروبي ليحقق الحرية والكرامة للشعب الاميركي، وخاض فيها لينكون حرب تحرير العبيد. الادارة الحالية لا تعي ذلك وتنقلب عليه، وقرارها الاخير يستعدي كل العالم وقانونه الدولي وشرعيته ومصالح إسرائيل كما يراها عقلاؤهم، وقرار قانونية المستوطنات لن يفيد عملية السلام ويقوض حل الدولتين ويهيئ الصراع للانفجار لا الانفراج.
(الغد)