الفساد والمساءلة السياسية: هل ثمة فرق ؟!
د.طلال طلب الشرفات
20-11-2019 09:59 PM
ثمَّة خلط غير مبرر بين دواعي المسؤولية السياسية للحكومة أمام مجلس النواب، وقضايا الفساد، وهدر المال العام التي تستوجب مساءلة جزائية، والأردن دولة متفردة في استبدال المساءلة الجزائية بعقوبات سياسية كإلزام المسؤول بالإستقالة، أو باستثنائه من التشكيل، أو التعديل، أو التعيين وهذا أحد أهم أسباب السخط الاجتماعي، والغضب الشعبي الذي أوصل الثقة العامة إلى مستويات متدنية، بل أكثر من ذلك فإن المسؤول النزيه لا يقوى على مواجهة القوى المتنفذة في المجتمع اجتماعياً أو سياسياً أو بتأثير رجال المال والاقتصاد وأخطرهم هم أولئك الذين يقبعون في رواسي السلطة.
الأردن دولة ضعيفة في جرأة المساءلة والسبب هو تأثير قوى المال والسلطة، وجريمة الفساد الكبيرة في الأردن هي جريمة منظمة ومعقدة، وبعض الفاسدين أقوى من أن تطالهم يد العدالة، والمجتمع الأردني مجتمع يعاني من فصام في مفهوم شرعية المساءلة، ويعتقد أن مفهوم النزاهة هو مفهوم انطباعي بعيداً عن مدى توافر الأدلة، ونظرية المؤامرة هي عنوان بارز لأي سؤال أو تساؤل عن مسؤول يرتبط بهذا الشخص رابط قربى أو دم أو مصلحة.
السلطة وإشغال المواقع العامة هي إحدى أهم قلاع حماية الفساد ولذلك غالباً ما نجد أن المسؤول لا يسأل إلا بعد مغادرته الموقع العام، والسبب أن النفاق السياسي يعيش مرحلة الذروة في النخب السياسية، والاقتصادية، والبرلمانية يساندهم في ذلك مجتمع ليس أقل فساداً من تلك النخب خلافاً لكل الأصوات العالية التي تداهمنا كل ساعة في وسائل التواصل الاجتماعي، ورغم كل الإسناد السياسي والإرادة السياسية الجادة في مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، سيّما وأن أهم أسباب غياب الثقة بمكافحة الفساد تكمن في تأخير العدالة الناجزة.
عندما يخفق رئيس الحكومة في اختيار وزرائه وكبار معاونيه يعتقد البعض أننا أمام حالات فساد وهذا ليس صحيحاً، ويأتي هذا الخلط نتيجة لضعف مجلس النواب وغياب أساسيات المساءلة البرلمانية، وعندما تكون الحكومة في مأمن من المساءلة السياسية أمام البرلمان فمن حق رئيسها استدعاء من يشاء من الأشخاص بغض النظر عن درجة تأهيلهم وكفاءتهم ما دام أن أكثر عقوبة يمكن أن ينالها الوزير أو المسؤول هو إخراجه بتعديل حكومي أو نقلة إلى مكان آخر أو إحالته إلى التقاعد، وعمل ما يمكن لتحفيز امتيازاتها التقاعدية للأسف.
الرئيس- أي رئيس- يرضح لإملاءات مراكز القوى السياسية، ومسألة الشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص هي ليست أكثر من وجهة نظر عندما يريد تعيين صديق أو قريب أو زميل عمل أو دراسة أو جليس صدفة على مقاعد الدرجة الأولى متجهة نحو بلاد الضباب، يرضخ للضغوط ويبرر القرارات والاختيارات غير المنصفة حتى وإن كان رجلاً نظيفاً وله حساسية مفرطة تجاه الاعتداء على المال العام، والثقة العامة، والسبب هو حالة الفصام العام الذي يرافق السلوك الاجتماعي، والسياسي للمجتمع الاردني برمته.
أتمنى أن تسقط حكومة باختبار الثقة ولو لمرة واحدة، وأتمنى أن يمثل رئيس الحكومة أمام لجنة نيابية ليعترف بالضغوط التي تمارس عليه للحيلولة دون تحويل ملفات معينة للقضاء أو مكافحة الفساد، وأتمنى أن يدرك رئيس الحكومة، والوزراء، والنواب، والأعيان وكبار المسؤولين أنَّهم للوطن ككل وليس لأقاربهم، وطوائفهم، ومناطقهم وأبناء جلدتهم وحسب، بل أكثر ما أتمناه أن يدرك هؤلاء أن للأردنيين حق مقدس، وفرص متكافئة في المشاركة السياسية يجب أن لا تبقى ملتصقة بالانطباع ومنطلقات لا تليق بالعدالة كانت وما زالت أكبر عوامل تشويه المشهد السياسي، والأخلاقي للدولة الأردنية، وحمى الله وطننا الغالي من كل سوء..!!