الهدف المرجو من وراء استخدام هذا العقار هو التخلص من الآثار النفسية والعقد التي تكبل اغلب الذين حصلت معهم ذكريات مؤلمة أو حوادث مريعة في ما مضى من أيامهم فيستطيعون تجاوز الآلام والحسرات والبدء من جديد بصحة وعافية .
سؤالي لا يتعلق بشرعية استخدام هذا العقار ولا يتناول طمسه لمعالم الشخصية الإنسانية بتجريدها من ذكرياتها حتى وان كانت مؤلمة , سؤالي يقول هل سنستطيع أن ننسى حقا ؟ هل من السهولة بمكان أن نرمي مصائبنا وويلاتنا وراء ظهورنا ؟ أين نحن من كل ابتلاءاتنا وشجوننا ؟ فقد تناول ناقلو هذا الخبر النواحي الفردية في هذه التجربة الطبية التي ما زالت أسيرة المختبرات ولم تخرج نتائجها إلى العلن , ولكن ألا يحق لنا أن نتساءل هل يستطيع هذا العقار أن يساعد الذاكرة الجمعية في محو همومها وآلامها ؟ ما فائدة أن ينسى شخص ما تجربة سيئة مرت به شخصيا ثم يبقى بعد ذلك عالقا في آلاف التجارب المؤلمة التي فرضها عليه الزمان والمكان ؟ أين تكمن القدرة على النسيان وفي كل يوم لدينا جرح جديد وفاجعة قاصمة ؟ وضعنا نحن مختلف تماما وانتماؤنا يفرض علينا في كل يوم ما تنوء به الجبال الرواسي .
فكروا معي أيها الإخوة الأعزاء في مواطن مقهور متخلف حضاريا يعيش على هامش الوجود في القرن الحادي والعشرين .. مواطن مبتلى بأنه يعيش في أوطان مشرذمة وكيانات بالونية .. يشم رائحة العفن السياسي في كل يوم ويرى من يزاود على همومه وآلامه بلا هوادة . هذا المواطن فقير معدم ماله مسروق وخيره منهوب .. يشتهي كسرة الخبز فلا يجدها ويتمنى أن يبل ريقه بماء عذب زلال فلا يستطيع . الكذب والخيانة يطوقانه من كل ناحية واللصوص المحترفون يجاهرون بسرقاتهم ويتمتعون بماله أمام عينيه .. أرضه مغتصبة والأغراب ينتهكون حرماته ويغتصبون شرفه .. ثم هو بعد ذلك مقموع مضطهد لا يملك أن ينبس ببنت شفة إن لم تكن تسبيحا وحمدا وثناء لقاتليه وسارقي ماله.
هذا المواطن عنده هم كبير حاصره واحتل مكامن فكره وإدراكه منذ ستين عاما .. هم يتعلق بطاهرة عفيفة .. شريفة قوم سيدة زمان ووجود .. حبيبة اغتصبها الأعداء ودنسوا عذريتها .. أقاموا فيها مواخيرهم و جعلوها حانة لسكرهم وعربدتهم .. ينظر باتجاهها كل صباح فيخالها تناديه وتستغيث به .. تقول له تعال فقد دنسني الشيطان وأقام في قلبي هياكل كفره ونجاسته . ينظر حوله باحثا عن من يشاركه فزعته ويشد أزره في قضيته فلا يجد إلا جوقة من مغنين يصدحون بلحن طغى عليه أزيز الرصاص والمدافع .. رصاص ومدافع يستخدمونها في قتل بعضهم وإزهاق أرواحهم . إنهم بعض أبنائها الذين قضوا العمر يتغنون بحبها عشقا وشوقا وهياما ثم لم تكن نتيجة عشقهم إلا ما يراه هذا المبتلى من قتل وضرب ورصاص وجهوه إلى قلوب بعضهم بدلا من أن يوجهوه إلى عدوهم .
مواطننا المسكين عنده هم آخر , هم عملاق الإنسانية ورائد حضارتها وتطورها .. وطن بحجم الأرض إن لم يكن اكبر .. وطن الإشعاع والفكر .. وطن العلوم والتقدم .. كانت كلماته مالئة الدنيا وشاغلة الناس .. كانت السحب أنى أمطرت عادت إليه بخيرها وعطائها فهو مركز الكون ودرة العالم . هذا الوطن غدا اليوم ذبيحا ينزف آخر قطرات دمه .. قتله الأوغاد شر قتلة .. لم يقتلوه إلا لسبب واحد هو انه جميل وعظيم .. هو انه خير ومعطاء . لقد دفع هذا الوطن الذبيح ثمن تناقض أبنائه .. لقد دفع ثمن عظمته وكبريائه .. ترك وحيدا يواجه مصيره المحتوم وجلست قبيلته من حوله تندب حظها العاثر وتستعد لطقوس الجنازة .
مسكين هذا المواطن الذي يعتقدون أنهم قد يخترعون له ترياقا يخرجه من همومه وأزماته , ماذا سنعدد من همومه والمقام لا يتسع لذكر معشار ما يحاصره منها , له الله في حاله.. أي ترياق قد يشفيه او يجعله ينسى ؟ لن يحس بشقائه أحد بل لن يعرف معنى الألم احد كما يعرفه هو .
والى اللقاء مع صرعة جديدة..