لكلمة «البوسطة» في لبنان والتي تعني الباص وقعها المؤلم، ولها رمزية وذكرى مشؤومة، فما زال الكثير من المؤرخين يعتبرون حادثة البوسطة في منطقة عين الرمانة الشرارة التي اشعلت الحرب الاهلية، ففي عام 1975 وتحديدا في 13 ابريل تعرض بيار الجميل زعيم حزب الكتائب لمحاولة اغتيال فاشلة اتُهمت بها المنظمات الفلسطينية، وفي مساء ذلك اليوم وكرد فعل على محاولة الاغتيال قام مسلحون من الكتائب بهجوم مسلح على «بوسطة» كان يقلها فلسطينيون مدنيون عزل كانوا في طريق عودتهم الى مخيم تل الزعتر سقط فيها 27 فلسطينيا، ومنذ ذلك التاريخ اصبحت حادثة البوسطة في الذهن الشعبي اللبناني شرارة الحرب الاهلية.
اليوم وبعد 44 عاما وعلى وقع الانتفاضة والاحتجاجات الشعبية المندلعة في لبنان منذ شهر اراد نشطاء الانتفاضة وتحديدا في شمالي لبنان في طرابلس وعكار إعادة إنتاج «البوسطة» لتكون عنوانا للوحدة الوطنية ووحدة التراب الوطني لتلغي رمزية بوسطة عين الرمانة من خلال انطلاقها في رحلة من شمالي لبنان لوسطه ولجنوبه، ورغم ذلك ورغم وضوح الهدف الا ان البوسطة تعرضت لاطلاق الشائعات التي شككت فيها وبهدفها ومن ابرز تلك الشائعات التى اطلقها حزب االله وعناصره ان هذه البوسطة او هذا الباص الذي يقل 40 راكبا هو مشبوه وممول من جهات مشبوهة كالسفارة الاميركية او جهات غربية، وواجه باص الحراك الشعبي رفض المدن الجنوبية وكانت اخر نقطة يصلها هي مدينة صيدا التي توقف فيها ثم اعادته القوى الامنية مرة اخرى ومن باب الخوف عليه واعادته إلى بيروت وشمالي لبنان أي إلى حيث جاء، وهو ما يعني فشل التجربة، وفشل محاولة الغاء الكانتونات التى افرزتها الحرب الاهلية وتحديدا «الكانتون الشيعي» في الجنوب اللبناني الذي يسيطر عليه الثنائي الشيعي حزب االله وحركة أمل.
فشل تجربة «بوسطة الثورة» تحمل دلالات عميقة وخطيرة من أبرزها على الإطلاق أن الانتفاضة أو الثورة في لبنان لم تنجح بعد في توحيد اللبنانيين رغم كل المظاهر التى اوحت بذلك من شعار «كلن يعني كلن» الى ظاهرة رفع العلم اللبناني في كل الاحتجاجات وترديد النشيد الوطني.
بعد 44 عاما يواجه لبنان ذات التحديات التى كان يواجهها عام 1975 وبخاصة تحدي الوحدة الوطنية ووحدة الارض والشعب، ولكن هذه المرة تغيرت الظروف كليا فلم يعد الفلسطينيون جزءا من معادلة الصراع او التاثير واصبحت ايران عاملا اساسيا في تقرير مصير لبنان وكان من ابرز نتائج هذا الدور الايراني المتمثل بحزب االله هو إعادة إنتاج الطائفية من جديد وبصورة أعمق وأخطر.
(الرأي)