شاءت الأقدار أن تبلى عيني في شيخوختي بعلةٍ أضعفت ابصاري وبدأت رحلة العذاب وزيارة أطباء العيون بلا جدوى أو فائدة, وتناهي إلى سمعي بعد مدة من المعاناة أن احد طلابي بالمرحلة الابتدائية ظلّ اسمه في ذاكرتي لم يمحه الزمن ولن أنساه لتميزه على أقرانه - معاذ احمد عربيات قد درس طب العيون وعاد لأرض الوطن بعد اغترابه للعمل في دولة عربية شقيقه فاتصلت به وعرّفته بنفسي فسرّ لاتصالي وحددت معه موعداً.
ذهبت إليه في الموعد المحدد استطلع المجهول واكشف حجب المستقبل يحدوني الأمل مطمئن النفس باللقاء المنتظر بعون الله, وحينما وصلت قريباً من عيادته خرج منها رجلٌ لسماع صوتي أسأل عنه فعرفته مع أن الأيام غيرّت بعضاً من ملامحه اتجه صوبي واستقبلني بحرارة ورحب بقدومي وهو يثني علي وعلى اخلاصي بعملي بين الفينة والفينة مشيداً بفضلي عليه بعد الله لما وصل له كان استقباله رائعاً لدرجة أنه انساني واقعي المرير في لحظة بل لحظات, وتبادلنا الأحاديث بودّ واحترام وشرحت له مصابي بعيني فكشف عليها باهتمام وأبدى التعاون معي بالعلاج ثم أدّى واجب الضيافة وأكرمني غاية الكرم ثم استأذنته بعدها للانصراف وأنا أشعر بدوار في رأسي.
وحينما قمتُ وقف وسار معي كأنه الابن البار لوالده يمشي الهوينا على خطواتي البطيئة أتوكأ على ذراعه لضعفي وأسند جسدي المتهاوي وبها استعين متلمساً طريقي حتى وصلنا باحة البناية وقفت, فوقف معي رغم الحاحي المستمر عليه بالعودة لعيادته, وظلَّ واقفاَ حتى جاء مرافقي الذي تأخر بعض الشيء, ودعته وسرتُ متعجلاً لأريحه من عناء الوقوف ظناً مني أنه عاد, لكنه فأجاني عند السيارة بفتح الباب حتى جلست وأغلقه بلطفٍ مودعاً عقد الذهول لساني عن الكلام لهذا الموقف ونظرت إليه بإكبار لهذا الخلق الحسن, حقاً إن الإنسان موقف وهذا الموقف الهمني القصيدة التالية أهديها إليه
فضلٌ وعرفان
لقـــــد أوفيت بالحسنى جزائي وربُّ الكون عانك في السماءِ
حبـــاك من الفضائل والسجايا بأصـــلٍ طيّبٍ لـــك كالـــرداءِ
من الأجـــــداد ثمّ أبيـــك إرثٌ ونعم الإرثُ أينـــع في النمـــاءِ
ووالـــدةٌ على الأخــلاق ربّتْ جزاها الخيــر ربي في سخـــاءِ
معاذٌ أنـــت فخــــرٌ للبرايـــــا بمجــــدٍ دون زيــفٍ أو ريــــاءِ
كريمٌ في خصـــالك والمزايــا كبير القلــــب ترفلُ بالوفــــــاءِ
يزينُ جبينــك الوضــاء نـــورٌ تلألأ بالسمــــاحة والذكــــــــاءِ
وألبســك التواضعُ ثــــوب عـزٍّ كبــــرْت به جديراً بالثنــــــــاءِ
طبيبٌ بالمحــافـلِ جــلّ قــــدراً بعلمٍ وافـــــرٍ جمُّ العطــــــــــاءِ
قصــدتُ إليك أشكو نور عيني تداويهـــــــــا وللــمولى دعائي
مـــددْتَ إلىَّ كفّــــك في حنــــوٍّ وأظهـرت البشاشة في لقـــــائي
غــدتْ كفّــاك عونـاً في طريقي على يـــأسي وضعفي والشقـــاءِ
أجسُّ الأرض في قدميّ حرصاً من العثرات خطوي في عنــــاءِ
ودمـــعٌ قـــد ترقرق في عيــوني تســـاقط وابلاً لــــولا حيـــــائي
علــى زمـــــنٍ وكنــــت به فتيّــاً أغذُّ السير يحــــدوني إبــــــــائي
وقوفـــــك جــانبي قـد شدَّ أزري وأحيـــــا القلب في أملٍ الرجـــاءِ
رددتَ إلىّ نــــور العيـــن حّيــاً ونور الفجر أشرق في مســـــائي
وهلَّ الصبـحُ في ثــوبٍ جـديــدٍ وعتـــم الليل زال من الضيـــــــاءِ
كــــأنَّ الله في كفيـــــك أســـدى شفـــــــاء النــــاس بلســـم كل داءِ
وللبـــــاري علينـــــا كلّ فضــلٍ لك العرفان بعــــــده بالشفــــــــاءِ
حمــــــاك الله من شرِّ الرزايــا ومـــــن كــــلّ الشدائد والبــــــلاءِ