قلائل الذين لا يعرفون كل لبنان، فهؤلاء لا تتعدى معرفتهم أبعد من مشاهدتهم للبرامج التلفزيونية التي تبهج العين وتُسر النفس، جراء الجمال والأناقة والفن، إلا أن لبنان الآخر لا يظهر في الشاشات لأن مواطنيه إما أنهم لا يستطيعون الوصول إلى تلك الشاشات أو أنهم ممنوعون من مشاهدتها لأن إدارات المحطات تتبع للذين تسببوا بخراب البلد.
المظاهرات الاحتجاجية التي اجتاحت لبنان خلال ما يقارب الشهر كشفت حجم المعاناة التي يعيشها شعب هذا البلد الجميل وكشفت ايضاً حجم الظلم والقهر اللذين يعصفان باللبنانيين نتيجة الفساد والنهب التي مارسها زعماء احتكروا رئاسة الطوائف والأحزاب لم يتقوا االله فاذلوا كرام الناس بعد أن وضعوهم في هوة الفقر والعوز،إن هؤلاء الزعماء الذين يختلفون ظاهرياً ويشعلون المعارك فيما بينهم في النهار يجلسون معاً في الليل لاقتسام ثروات الوطن مشكلين أكبر وأقوى حزب بعيداً عن أعين العامة وهو حزب الفساد واللصوصية.
قناة الجديد اللبنانية أبدعت مهنياً في التغطية وفي نزع الأغطية بذات الوقت، فقد غطى مندوبوها المهنيون حراك الشارع اللبناني من أقصاه إلى أقصاه، واقاموا ندوات على الهواء في الساحات والميادين استطلعوا من خلالها آراء المحتجين فظهر مستوى الوعي والمعرفة لدى الشباب اللبنانيين حول فداحة الأزمة الخانقة التي يعيشها بلدهم والتصميم على رفض كل الصيغ البائدة لإسلوب الحكم الذي أوصل البلاد إلى هذه الحالة ولم ينسوا أن يوجهوا رسائل واضحة لطبقات الحكم كلها رفضهم لطريقة إعادة التدوير التي ضمنت للفاسدين الاستمرار بالحكم كابراً عن كابر.
الشعب اللبناني سئم صبغة الحكم الطائفي ورفض بعدما أوصلته هذه الصبغة إلى حالة البؤس التي عمت لبنان أية حلول تأتي من نفس علبة الألوان التي تحكم منتسبوها بمقادير البلد منذ ما يزيد على نصف قرن تقريباً.
وعلى الجانب الآخر من التغطية، أزاحت «الجديد» الغطاء ودخلت مناطق واحياء في لبنان لم تدخلها كاميرا من قبل فانكشف حجم المأساة التي تعيشها الأغلبية المسحوقة من اللبنانيين فاطلع المشاهد اللبناني اولاً والعربي والأجنبي ثانياً على الحقيقة وشاهد صورة قاتمة لم يكن يعلم عنها والتي تعتبر وصمة عار تعري الفاسدين الذين تاجروا بقوت الفقراء دون أن يرف لهم جفن أو تهتز ضمائرهم، إن كانوا لا يزالون يتذكرون معنى كلمة ضمير.
ما نقلته «الجديد» لعائلات تعيش فقراً «صومالياً» لا يصدق،عائلات لا تجد رغيف خبز بالمعنى الفعلي لا المجازي للكلمة، عائلات تموت تباعاً بسبب العجز عن الحصول على الدواء أو الدخول إلى المستشفيات.
هؤلاء البؤساء ليس لهم من جمال لبنان وحضارته شيء،هؤلاء كتل بشرية فائضة عن الحاجة، بيوتهم مثل قبورهم رطبة ضيقة الفرق الوحيد بينها وبين القبور أنها مكلفة فهم يدفعون إيجاراً عالياً للجشعين من الحكام أو من حولهم ولكنهم عندما ينتقلون إلى أكفانهم الأبدية يرتاحون من دفع أجرة الإقامة وتلك نعمة بنظرهم!! إلى هذا الحد يوصل الفاسدون شعوبهم حد تمني الفوز بإقامة مجانية ولو تحت الأرض.
(الرأي)