تعكف الحكومة حاليًا على إجراء تعديلات على نظام الخدمة المدنية بعد أن تم تشكيل لجنة وطنية لهذه الغاية،وعلى إثرها عُقدت عدة اجتماعات مع الشركاء والمعنيين وسلمت عدد من الجهات ملاحظاتها بمن فيهم النقابات المهنية، وتُعزى التعديلات بحسب بعض التصريحات الصحفية لدولة رئيس الوزراء إلى أسباب عديدة منها اختلالات حصلت مع الوقت داخل القطاعات، وأن كثيرًا من العلاوات والمكافآت ليست مرتبطة بالأداء.

وبما أن أحد الدوافع الرئيسة للتعديلات المُقترحة مرتبط بكيفية إدارة الأداء المؤسسي والأداء على مستوى الموظفين بشكل أفضل، لينعكس ذلك إيجابًا على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والأعمال، فإنه من الضروري أيضًا مراجعة وتحديث كافة أنظمةوإجراءات الموارد البشرية الواردة في نظام الخدمة المدنية، حيث إن المفهوم الحديث لإدارة الموارد البشرية يتطلّع إلى تكاملية نظام التوظيف، ونظام التدريب، ونظام تقييم الأداء، ونظام المنافع بشكل يتمحور على الموظف في موقع عمله.

وعندما نتحدث عن نظام التوظيف فإن ذلك يشمل تحليل الوظائف، والأوصاف الوظيفية، وطريقة الإعلان واستقطاب الموظفين، واختبارات التعيين، وتخطيط الموارد، أما نظام التدريب فإنه مرتبط بتحديد الاحتياجات التدريبية بناء على الوصف الوظيفي وأهداف المؤسسة، وقياس الاحتياجات التدريبية بشكل دوري بناء على الأداء، وربطها بالمسار الوظيفي للموظفين، وإدخال مفاهيم التعلم المباشرة وغير المباشرة والتعلم طويل الأمد.

التركيز الأكبر اليوم في النقاشات الدائرة بما يتعلّق بتعديلات نظام الخدمة المدنية تنصبّ على نظام تقييم الأداء ونظام المنافع المرتبط بالعلاوات، مع العلم أن المُدخلات الرئيسة لعملية إدارة الأداء هي الموظف ذاته وتوفير الموارد المطلوبة له من تدريب وأدوات، وهذا أساسًا مرتبط بأساليب اختيار وتعيين الموظفين ودور المدراء والمؤسسات في بناء قدراتهم وتدريبهم وتوفير الممكّنات اللازمة بما يحقق أفضل النتائج.

ومن الجانب الآخر فإن العلوم الإدارية الحديثة تتطلّع إلى موقف الموظف تجاه مؤسسته وسلوكه بما يُعرف بالمواقف الوظيفية "Job Attitudes" من أجل تحقيق نتائج أداء أفضل، ويصار إلى تعزيز وتحفيز عدد معين من هذه المواقف والسلوكيات المرغوبة من قبل المؤسسات بين الموظفين، ومنها إدماج الموظفين في العمل "Employee Engagement"،ومشاركتهم في أخذ القرارات والسياسات "Employee Involvement"، وإدراك دعم المؤسسة للموظفين "Perceived Organizational Support" وهيالدرجة التي يشعر بها الموظفونأن مؤسساتهم تقدر مساهماتهم، وتهتم برفاهيتهم وتلبي احتياجاتهم الاجتماعية والعاطفية.

وهناك العديد من المواقف الإيجابية الأخرى التي يمكن العمل على تعزيزها داخل المؤسسات من خلال السياسات المؤسسية المناسبة والممارسات الإيجابية من قبل القيادات لتوفير الصلاحيات والدعم المؤسسي المطلوب للموظفين للإنجاز، وبما يوازن ما بين الامتثال للإجراءات والابتكار وأخذ القرارات عند الحاجة.

أما بالنسبة لوجهة نظر الموظفين في نظام الخدمة المدنية الحالي والتعديلات المقترحة،فتُشكر اللجنة المُعدة للتعديلات أنها طلبت ملاحظات من مختلف المؤسسات على النظام الحالي، ومن المفضل أيضًاعقد ورش عمل أو دراسة لمجموعات تركيز بأخذ عينة من الموظفين والاستماع إلى آرائهم ووجهة نظرهم بالتعديلات المقترحة.

إن تعديل منظومة المنافع الحاليةبإمكانية زيادة العلاوات للموظفين وربطها بالأداء يشكل خطوة مهمة بالاتجاه الصحيح لتطوير مستوى الأداء والخدمات في الحكومة، ويفضّل أن تتزامن مع تطوير آليات التوظيف والتدريب في القطاع العام لأنها أساس الأداء ومدخلاته الرئيسة، كما أن الممارسات السلوكية المتبعة من القيادات في مختلف مؤسسات الدولة من الضروري أن تتكامل مع أنظمة الموارد البشرية، بحيث تعزز القيم الإيجابية بين الموظفين وتصنع المواقف الوظيفية التي تنعكس إيجابًا على سلوكياتهم ليلمس أثرها الإيجابي متلقو الخدمات بمختلف فئاتهم.