كلما استمعت لقصص و شهادات نساء تعرضن للعنف، أزداد قناعة أن الصبر على الإهانة لا يجر سوى مزيدا ً من قلة القيمة والبهدلة . المرأة التي تستمرئ دور الضحية تقوم بتمرير هذا الخنوع والاستلاب إلى الأجيال التي تقوم على تربيتها. النساء الرازحات تحت العنف برضى عجيب على أساس أن الإيذاء الواقع عليهن أمرا طبيعيا لا يدرين أنهن يؤثرن على سلامة البنية الاجتماعية إلى أجل غير مسمى. الصمت في مواجهة العنف ليس حلا وليست وحدها المرأة مسؤولة عن وضع حد للانتهاكات بحق انسانيتها، لأنها الأصل الذي يغذي الفروع فإن خيرا ً فخير وإن شرّاً فشرّ.
كلنا مسؤولون هو الشعار اللذي تبنته الحملة الدولية: حملة الستة عشر يوما للقضاء على العنف ضد المرأة لهذا العام ، وهي، لمن لا يعرف، حملة دولية تنطلق سنويا في الخامس والعشرين تشرين الثاني من كل عام في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة. فالمسؤولية مشتركة و اللوم في ظاهرة العنف الواقع على النساء لا يقع على فرد واحد، ولا تقع مسؤولية مناهضته على الضحية فحسب، بل ان المجتمع بكافة أطيافة وشرائحه يتحمل مسؤولية مشتركة لوقف العنف الواقع على المرأة، فالمرأة جزء من حلقة مرتبطة ومؤثرة بالأجزاء الأخرى من المجتمع وما يقع عليها فهو بالضرورة يؤثر بالأجزاء الأخرى وأهمها الأطفال ، والصمت على الايذاء الواقع على مربية المجتمع الأولى والقائمة على تنشئة الأجيال سيفرز أجيالا مشوهة نفسياً تلعب الأدوار ذاتها ، الجلاد والضحية.
الأهمية قصوى لإشراك الرجل وإشراك فئة الشباب لنبذ العنف، لترسيخ ثقافة مستقبلية سليمة أساسها مناهضة العنف المجتمعي بكافة صوره، فكل فرد يمتلك من زاوية ما المقدرة على إيقاف العنف مهما بدا ذلك بعيدا ً من منظوره، وكل فرد يتحمل مسؤولية اجتثاث الظاهرة من جذورها نحو بيئة آمنة ومستقرة .
العنف إيذاء والعقوبة جزاء. والعنف ليس ذاك الواقع على الجسد فقط، إنما يتخطاه إلى عنف نفسي وصحي واجتماعي واقتصادي وجنسي. وتخطئ المرأة المعنفة إذ تصمت..تخطئ أكثر حين توجد مبررات لمن أوقع عليها الضرر، لكن نساء كثيرات يصمتن لخوفهن من عدم توفر الحماية لهن إثر التقدم بشكوى، والصمت يضاعف من قوة العنف ، فكثيرات يجهلن توفر الحماية القانونية كما يجهلن وجود الخدمات الإجتماعية التي تقدم من جهات عديدة في حال تعرض المرأة للعنف وهي مسؤولية الجهات المعنية ومسؤولية الإعلام. فمن الممكن أن تلجأ المرأة لأحد مراكز رعاية متضرري العنف الأسري أو تتوجه للمستشفى وتطلب تقريرا طبيا في حال الاعتداء الجسدي وتكون على يقين أن قانون العقوبات الأردني أداة رادعة لتجريم كل ما يقع في خانة العنف المجتمعي. فأن تعي المرأة حقوقها وتقرّ بوقوع أذى عليها هو أول طريق القضاء على تلك الظاهرة البشعة.
كلنا مسؤولون تعني أننا جميعا معنيين بوقف العنف ضد النساء والوقوف معاً رجالا ونساء موقفاً مناهضا ً لانتهاك الكرامة ورافضا ً للعنف والإيذاء المجتمعي.
الراي.