أي برنامج تصحيح اقتصادي يرعاه صندوق النقد الدولي لا بد ان يحتوي على الخصخصة فهي الركيزة الاساسية لتصحيح الاقتصاد في اغلب دول العالم التي عانت من مشاكل اقتصادية وعلى الاغلب تأتي الخصخصة كوسيلة من استراتيجية وليست كهدف بحد ذاته لان الهدف هو التصحيح الاقتصادي ولكنها في الانظمة الضعيفة تتحول لتصبح الهدف بحد ذاته.
اعتقد بان موضوع الخصخصة كحل اقتصادي دولي يجب ان يراجع كوسيلة لأسباب كثيرة ومنها بان ملفات الخصخصة ترتبط ارتباط رئيسي بفساد الطبقة المتنفذة وهناك امثلة في هنغاريا وروسيا واوكرانيا وغيرها من الدول والتي ارتبطت الخصخصة بها بملفات فساد ضخمة والفساد المرتبط بالخصخصة هو بالأساس بالبيع المتحيز لمؤسسات رابحة وبأسعار مغرية ولشخصيات لها وزنها وتختبئ خلف مسميات وهمية وفي بعض الحالات عن طريق قبض عمولات لتسهيل البيع لمؤسسات دولية وبالتالي يكون تأثير الخصخصة في هذه الحالة مضاعف من حيث بيع مؤسسة ناجحة تساهم في رفد الاقتصاد الوطني وثانيا بتقليل عائد الاستفادة من الخصخصة.
الخاصية الثانية للخصخصة هي صعوبة ارتباطها بالفساد في حالة امتلاك الدولة للمؤسسات الديمقراطية القوية التي تمكن من المراقبة على تنفيذ العملية على العكس من الدول ضعيفة المؤسسات الديمقراطية التي يستحيل برأيي ان تتم عملية الخصخصة بها بدون قضايا فساد.
هذه النقطة يمكن ملاحظتها في اغلب الدول التي خصصت مؤسساتها بدون توفر الاساس الديمقراطي للدولة والموضوع على المستوى الفردي غير مهم لأنه عادة ما يتم استبدال أي اسم يصنع العقبات لفساد الخصخصة بشخصيات يسهل التعامل معها، وهناك دول مثل اثيوبيا مثلا رفضت الخصخصة بطريقة الصندوق الدولي ولكنها تحرص على تقوية مؤسسات الدولة كخطوة اولى قبل الدخول في الخصخصة وبوجود شخصيات قوية.
الخاصية الثالثة هي ارتباطها في دول العالم الثالث بالثورات الشعبية, فضيق النظر وتسرع المسؤول يدفعه لخطوات متسارعة وبدون تفكير استراتيجي يؤدي الى فقدان الدولة الى مصادر تؤمن الدخل للموازنة بحيث تتحول موازنة الدولة الى الارتكاز على الضرائب مع عدم وجود قاعدة اقتصادية قادرة على دفع الضريبة والسبب الاخر هو انتشار ثقافة دراسة الجدوى الاقتصادي بالمعني المالي فقط وعدم الالتفات الى العوامل الاجتماعية مثل تشغيل الايدي العاملة والامن الاقتصادي والغذائي وعدم دراسة عدالة توزيع الثروة.
الخاصية الثالثة الايجابية وهي ان الخصخصة وجدت لتسليم مهمة ادارة الشركات لقطاع خاص ناجح ويفرغ الدولة لمهام اكثر اهمية مثل السيطرة على السوق ولكنها تستهدف المؤسسات الحكومية الناجحة وليس الفاشلة.
الخاصية الرابعة هي ان الخصخصة من نتائج العولمة وتعزز تحكم المؤسسات غير الحكومية مقابل اضعاف قيمة سيادة الدولة وقد تتسبب في تسرب العملة الصعبة من الاقتصاديات الضعيفة الى دول العالم الاول وتعطل ماكينة حماية الاقتصاد الوطني من خلال تشريعات الحماية ومن خلال التوقيع على الاتفاقيات الدولية المصاحبة لهذا النوع من الانتقال.
برأيي بان الحل يكمن في ان تتم العملية بمراقبة من قبل الصندوق الدولي نفسه والتحقق من اي مخالفات في حالة التنفيذ ومعاقبة المخالفين ضمن حزمة قوانين مشابهة لقوانين منع الارهاب وتقييم مدى الحاجة لها وتأثيرها على البعد الاجتماعي للدولة وخاصة على المدى الطويل فمن المؤكد بان دراسة الخصخصة على المدى القصير سيعطى مؤشرات اقتصادية ايجابية ولكنها مخادعة كونها لم تأخذ المدى المتوسط والبعيد وخاصة في رفع نسبة الدين العام الى اجمالي الناتج المحلي.