في التاسع من نوفمبر 1989 استيقظ الألمان على معاول تهدم أشهر جدار فاصل في التاريخ، الجدار الذي قسم مدينة برلين إلى شطرين شرقي شيوعي تحت نفوذ الاتحاد السوفييتي، وغربي ليبرالي تحت وصاية بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة.
فبعد هزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية، اقتسم الحلفاء المانيا بموجب اتفاقية يالطا 1945، وشهدت برلين الشرقية قيام دولة ألمانيا الديمقراطية، فيما أقيمت دولة ألمانيا الاتحادية في الشطر الغربي من المدينة. فيما بعد اصبحت القوى العظمى المسيطرة على الجانبين تتنافس بحدة حتى وصلت الحرب الباردة إلى أوجها خلال تلك الفترة.
وعلى مدى سنوات، طالب زعماء ورؤساء دول بهدم الجدار، أبرزهم الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي، الذي ألقى خطابا من أمام جدار برلين، قال فيه كلمته الشهيرة: «أنا من برلين».
بدأت ملامح انهيار الجدار تظهر تدريجيا، قبل الانهيار الفعلي، ففي أغسطس من عام 1989، أعلنت بلغاريا إعادة فتح حدودها مع النمسا، ليفر ما يزيد على 13 ألف «سائح» من ألمانيا الشرقية، ويصلون إلى النمسا عبر بلغاريا، بحلول سبتمبر من العام نفسه.
وتوالت الأحداث في سبتمبر، وتزايدت فيه المؤشرات على «الانهيار القريب»، إذ انطلقت تظاهرات شعبية حاشدة ضد الحكومة في ألمانيا الشرقية؛ ما أدى إلى استقالة الرئيس الشرقي إريك هونيكر في أكتوبر، ومنح الأمل بإمكانية التخلص من حائط الفصل هذا، خاصة أن هونيكر كان من أشد المدافعين عنه.
وفي نوفمبر 1989، تدفق عشرات الآلاف من الألمان الشرقيين نحو الجدار، ليعبروا الحدود باتجاه برلين الغربية، أمام أعين الحراس ورجال الجمارك. وفي أغسطس 1990، تم انتخاب هيلموت كول مستشارا لألمانيا الموحدة، وإعلان برلين عاصمة لها.
ولأن الجدران فواصل يضعها السياسيون الا انها لا تفصل بين ابناء البلد الواحد، وان فصلت زمناً التاريخ يهدمها. المفارقة في الحالة الألمانية أن الشعب استعاد وحدته بل وجعل من امرأة بسيطة ولدت وتربت في الشطر الشرقي حاكماً لألمانيا الموحدة، بل ومن أنجح حكامها، هي أنجيلا ميركل التي قالت في مقابلة مع صحفية عشية الذكرى الثلاثين لسقوط جدار برلين إن ألمانيا الغربية كانت لديها «فكرة غامضة إلى حد ما» عن الشرق.
وقالت إن أناسا كثيرين «يجدون صعوبة في فهم أنه كان هناك اختلاف بين جمهورية ألمانيا الديمقراطية كدولة والحياة الفردية لمواطنيها»، «لقد سُئلت عما إذا كنت سعيدة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية وعما إذا كان يمكنني الضحك. نعم، أنا وكثيرون آخرون أولينا أهمية كبيرة إلى التمكن من النظر إلى أنفسنا في المرآة كل يوم، لكننا قدمنا تنازلات».
وأضافت «كثير من الناس لم يرغبوا في الهروب كل يوم أو التعرض للسجن. هذا الشعور يصعب وصفه، الحياة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية كانت في بعض الأحيان مريحة بطريقة ما، إذ كانت هناك أشياء ليس بوسع المرء التأثير.
درس جدار برلين لم يتعلمه الكثيرون، ها هو ترمب يبني جداراً بين بلاده والجارة المكسيك، والمجر بنت حاجزا يمتد على مسافة 300 كيلومتر بطول حدودها مع كرواتيا، والنمسا بنت حاجزا بطول حدودها مع سلوفينيا، وسلوفينيا بدورها بنت حاجزا على حدودها مع كرواتيا، واسرائيل بنت جدار فصل عنصري يفصل بين فلسطين المحتلة 1948 والمحتلة 1967.
ترى ال»بي بي سي» في تقرير أن الغرب نفسه يبني أسواراً جديدة على غرار أسوار برلين ولكن هذه المرة في شكل قيود حدودية قاسية وإجراءات، هي آلاف الكيلومترات التي تمنع فكرة هجرة الشرق إلى الغرب.
وبحسب منظمة أطباء بلا حدود، أدت هذه العلاقة إلى «تطبيع سياسات انتقامية، أدت إلى معاناة وغرق المهاجرين في البحر» من خارج دول الاتحاد الأوروبي.
وعلى شواطئ القارة على البحر المتوسط، يحاول اللاجئون العبور إلى دول الاتحاد الأوروبي من شمال أفريقيا عن طريق القوارب، لكن يبدو أن الغرب الذي كان مرحباً لعبور الشرق إلى حدوده في الحالة الألمانية لم يعد كذلك مع الهجرات القادمة عبر المتوسط، حيث تتصدى لهم القوات البحرية وتعيدهم إلى الدول التي جاءوا منها، ما يخلق «سورا بحريا»، حسب وصف مجموعات الضغط مثل معهد ترانس ناشونال.
وتقول منظمة أطباء بلا حدود إن الاتحاد الأوروبي تسبب في «معاناة إنسانية عن طريق إدارتها لملف الهجرة وحماية الحدود» فيما تفردت ألمانيا ميركل، التي عانت مأساة ظروف الهجرة، باتخاذ موقف متعاطف مع المهاجرين.
نحن العرب لم نقم جدراناً بيننا فقد بناها لنا المستعمر قبل أن يرحل على شكل حدود، وبقينا نحن «أوفياء» لسايكس و بيكو ! لم نتعلم من درس جدار برلين ولا من وحدة أوروبا ولا حتى من تاريخنا حين كنا أمة واحدة.
(الدستور)