في الوقت الذي تسجل فيه شعوب العالم ارقاما قياسية في النمو العلمي والتكنولوجي والاقتصادي تستغرق شعوب العالم العربي في البحث عن الحرية ويناضلون لإيجاد نظم بديلة تعبر عن شخصيتهم الوطنية وتمكنهم من العيش بأمن وكرامة وسلام.
غالبية شعوب البلدان العربية مقسمة لفئات عرقية وطائفية وطبقية وعشائرية وجهوية . في كل مرة يتسلل الوعي لاندماج هذه الفئات يسعى الحكام إلى تغذية الشعور بالفرقة وإشعال الفتن بين المكونات الامر الذي يسهم في الإبقاء على الترتيبات والتقسيمات كضمانة وحيدة للاستقرار.
الترتيبات التي أوجدها الاستعمار وورثتها النظم السياسية العربية كانت وما تزال المعادلة الاهم في الحفاظ على التوازن والحيلولة دون تشكل احساس وطني مشترك يؤدي إلى التغيير في النظم القائمة والمحاسبة لكل من يحرم الناس من ممارسة حقوقهم ويتلاعب بمقدراتهم ويعتدي على فرصهم في الحياة الآمنة والعيش الكريم او يسلبهم مواردهم تحت اي غطاء.
في العراق ولبنان واليمن وفي ارجاء اخرى من الوطن العربي يكتشف الانسان كل يوم عمق المأساة وصعوبة التخلص من القيود الفكرية والايديولوجية والعشائرية والجهوية التي اسهمت في تضليل الوعي وادامة التشرذم وإنعاش الانتماءات الفرعية فأعاقت نشوء الدول بالمفهوم العصري للمصطلح واستعيض عنها بترتيبات شكلية تمكن الفئات الحاكمة من استغلال الموارد وتجنب الاستجابة للمطالبات بنظام سياسي عصري.
التنبؤات التي تجريها مراكز ومؤسسات الابحاث العالمية تشير إلى وجود سباق عالمي محموم نحو المستقبل. في هذا السباق يتنبـأ “مركز برايس ووتر هاوس ” لأبحاث ودراسات المستقبل بتغير القوى الاقتصادية العالمية ويتنبأ بظهور قائمة جديدة للدول الاقوى اقتصاديا . في القائمة الجديدة هناك مجموعة من الدول الآسيوية والاميركية التي لم تكن في الحسبان. الهند واندونيسيا والمكسيك والبرازيل ستحتل مواقع متقدمة في الاقتصاد العالمي الذي ستقوده الصين والهند وتتراجع فيه الولايات المتحدة إلى الموقع الثالث. الدول العربية تغيب عن المواقع العشرة الاولى في قائمة 2050 كما غابت عن القوائم في العقود والسنوات الماضية .
إلى جانب تقدم الصين نحو المركز الاول والاستحواذ على 25 % من الاقتصاد العالمي ستصبح الهند القوة الثانية متفوقة على الولايات المتحدة التي تهيمن على الكثير من مؤسسات وادوات الاقتصاد العالمي اليوم. التوقعات بدخول اندونيسيا والبرازيل والمكسيك إلى جانب روسيا وانجلترا والمانيا وخلو القوائم الحالية والمستقبلية من الاقتصادات العربية اخبار تبعث على الاسف وتثير جملة من التساؤلات حول الاسباب التي حالت وتحول دون حدوث التقدم للأمة التي تملك اكبر مخزون من الطاقة وافضل المواقع واكثرها توسطا للعالم اضافة إلى التاريخ والمناخ وغيرها من العوامل المؤهلة.
العالم العربي خارج كل هذه السباقات والمنافسات فهو منشغل في بعض الاساسيات التي تجاوزها العالم متذ قرون وعقود . في كل مرة يسمع العرب عن التجربة الماليزية ونجاحات مهاتير محمد او يشاهدون انجازات تركيا يصابون بالإحباط والكآبة ويصبون جام غضبهم على حكامهم ونوابهم وقياداتهم, ومما يزيد من غضب الشعوب العربية وقنوطها مشاهداتهم لتجدد الصراعات والحروب التي يديرها العرب ويمولونها بحجة تحرير إرادة اشقائهم وتمكينهم من اختيار قياداتهم وانظمتهم .
في الوقت الذي تتزاحم فيه دول العالم على المراكز المتقدمة في العلوم والاختراعات والنمو الاقتصادي تتفجر في ارجاء العالم العربي الثورات لأسباب البطالة والظلم والفساد وغياب الخدمات. وتحتفل الجماهير بكسرها لحواجز الخوف وتابوهات السلطة واعتراضهم على الترتيبات التي طالما شكلت الغطاء للظلم والقهر والاستغلال.
الانسان العربي الذي ما يزال متشبثا ببعض ما تبقى من الصورة الذهنية الايجابية للعروبة يشعر بالكثير من الاسف والحزن على الاوضاع التي آلت اليها الاوضاع ويتطلع إلى بناء ديمقراطيات حقيقية خالية من التضليل والفساد والتشويه. ديمقراطيات تقوم على افتراض الكرامة الانسانية المتأصلة والحقوق المتساوية للجميع والحرية الكاملة للانسان في التعبير والتجمع والاختيار والاستمتاع بالموارد الوطنية في اطار حقوقي منصف وعادل. عندها يكون المجتمع مهيئا للانطلاق نحو العمل والعلم والانجاز والتنافسية.
(الغد)