الضفة الغربية التي لا نعرفها
ماهر ابو طير
15-11-2019 12:42 AM
لم نكن نصدق يوما ان نرى الذي رأيناه في الضفة الغربية، فهذه الضفة الغربية التي قدمت الشهداء، طوال تاريخها، تتضامن مع غزة اليوم، بالكلام في مساءات الخريف.
الضفة الغربية لم تعد كما كانت، إذ منذ ان قدمت السلطة الوطنية الفلسطينية وضمن توصيف دورها الوظيفي، اعادت إنتاج الضفة الغربية، تماما، حيث أنهت كل اشكال المقاومة المسلحة، ومنعت أي تعبيرات حادة ضد الاحتلال، وتولت أمنيا قمع كثيرين، واعتقلت آخرين، وأغلقت مؤسسات وجمعيات، ونفذت عمليات أمنية ضد فلسطينيين، نيابة عن إسرائيل، بل تولت مؤسساتها الأمنية مهام التحقيق والتوقيف والملاحقة.
كانت أخطر نتيجة لاتفاقية أوسلو، فوق الاعتراف بثلاثة ارباع فلسطين، باعتبارها إسرائيل، إخراج الضفة الغربية من خريطة مناوئة لإسرائيل، بوسائل مختلفة، وصلت حد إغراق عشرات آلاف الموظفين بالديون للمصارف، وتحويلهم الى مجرد موظفين، كل أمنيتهم قبض رواتبهم، وسداد الأقساط المترتبة عليهم لهذه المصارف، وهذا الإنهاك الاقتصادي والاجتماعي في الضفة مطلوب بشكل واضح تماما.
أيا كانت تبريرات السلطة التي تحكم الضفة الغربية، فهي تترك غزة كل مرة لمصيرها، تارة تحت عنوان يقول إن هؤلاء يختطفون غزة، وتارة عبر اتهامات التنظيمات في غزة بكونها تابعة لهذا البلد او ذاك، وفي مرات يقولون لك إن مقاومة الاحتلال، غير مجدية، وإن التضحية بدم الفلسطينيين، لن تؤدي الى أي نتيجة، وان الأبرياء يدفعون الثمن فقط.
استطاعت إسرائيل امام مشكلة الفلسطينيين الديموغرافية والأمنية، تقسيم بنيتهم الاجتماعية الى مجموعات، مجموعة الفلسطينيين الذين يعيشون في فلسطين العام 1948 وتم عزلهم جزئيا عبر السعي لتحويلهم الى إسرائيليين من الدرجة الثانية، وربطهم قدر الإمكان بمزايا المواطنة الاسرائيلية، ثم الفلسطينيين في القدس، وربطهم بنظام صعب للإقامة والحياة الاقتصادية، ضمن ظروف حساسة ، ثم جماعة غزة، وحصرهم داخل القطاع المغلق والمعزول، وأخيرا جماعة الضفة الغربية، وتسليم ملفهم الى سلطة أوسلو.
هذه المجموعات الأربع من الفلسطينيين، تخضع لأعمال إدارة مختلفة، من حالة الى حالة، في سياقات تقسيم البنية الفلسطينية الداخلية، وجعل هذه البنية وجدانية عاطفية فقط، دون ترابط ميداني، او تأثير مباشر، وفقا لما يجري من احداث، في بقية فلسطين التاريخية، وهناك مهام إسرائيلية مباشرة، وأخرى تم توكيلها لوكلاء نيابة عن تل ابيب.
من المحزن حقا، ان يتم اختطاف الضفة الغربية بهذه الطريقة، فهي مختطفة مرتين، تارة من الاحتلال، وتارة من السلطة الأمنية في الضفة الغربية، التي تتولى مهام الإسرائيليين بشكل مباشر داخل الضفة الغربية، وليس ادل على ذلك من ان كل مسلحي السلطة يتراجعون بأسلحتهم امام اي اقتحامات إسرائيلية، وينسقون في حالات ثانية مع الإسرائيليين، قبيل وقوع اي عمليات اقتحام او اعتقال، فلا تعرف أيضا اين غابت حرارة الدم، بعيدا عن إعادة الإنتاج وهي المهمة الأساس لسلطة رام الله؟
القصة هنا ليست الجرأة بالهجوم على جماعة رام الله، لكن السؤال يبقى مفتوحا حول هذا العجز الذي نراه كل مرة امام الممارسات الإسرائيلية، ضد الفلسطينيين في غزة تحديدا ولا تجد سلطة رام الله في مجالسها المغلقة او تصريحاتها العلنية، مخرج نجاة سوى اتهام تنظيمات غزة بكونها السبب في هذا المشهد الدموي، ويتناسى هؤلاء انهم بالمقابل، لم يقيموا دولة فلسطينية، ولم يعقدوا صلحا منتجا، ولا حاربوا إسرائيل، وكل ما يفعلونه هو إدارة الحياة اليومية في الضفة الغربية، من الناحية السكانية-الامنية، بمعايير إسرائيلية.
حين تناقش أحدا من سلطة رام الله، يرد عليك بالقول ان الظروف اكبر من السلطة، وان كل الخيارات المتاحة خطيرة وصعبة، وان حالة الاستعصاء لا تسمح للسلطة ببلورة موقف اكثر مما هو معلن ومتاح، واننا نوزع النصائح من بعيد، ولا نعرف الواقع.
تتضامن الضفة الغربية مع غزة بمسيرة شموع ليلية، او ببضعة هتافات، واذا كان الاحتلال كارثة بحد ذاته، فإن ما نراه في الضفة الغربية كارثة مضاعفة، ولو تحركت الضفة الغربية قليلا بذات طريقتها القديمة ضد الاحتلال، لكانت أولى النتائج تخفيف الضغط عن اهل غزة، بدلا من الاستفراد بهم، بهذه الطريقة المؤلمة.
(الغد)