جرائم العنف الأسري ومسؤولية الدولة والمجتمع!
د. زيد نوايسة
14-11-2019 01:23 AM
“تحملت مشان أولادي” كلمات موجعة ومؤلمة اختصرت وجع السيدة التي تعرضت لجريمة من أبشع ما يمكن للعقل أن يتصور حجم الوحشية فيها والتي يختزنها الإنسان بداخله، ويستوعب أن الانتقام والعقاب يمكن أن يكون بابتكار طريقة لا تقتل مرة واحدة بل تقتل كل لحظة ألف مرة، فكيف لآخر مهما كانت صفته ومكانته أن يحرم مخلوقا من نعمة البصر وهي من أعظم نعم الخالق سبحانه وتعالى.
منذ سماعي الخبر لم يغب عن ذهني بشاعة وسادية المشهد. رجل يقرر أن ينتقم من زوجته التي اجتمع عليها العنف والفقر ويقرر فقء وقلع عينيها أمام أولادها وحرمانها من البصر للأبد هكذا بكل بساطة وسهولة باعتبار أن الزوجة ملكية شخصية وللزوج مطلق حرية التصرف بما يملك. ومما يدعو للأسف أكثر أن تكون عقوبته في أقصاها ثلاث سنوات لأنه أحدث عاهة دائمة وربما سيحصل على نصف العقوبة في حال إسقاط الحق الشخصي بعد التدخلات العائلية وبنفس الوقت انتابتني رغبة بمعرفة المشاعر التي ستراود المشرع ومن سيصدر الحكم وهو يساوي بين فقدان البصر للأبد وحجز حرية لمدة ثلاث سنوات فقط حسب قانون العقوبات.
من يرصد ردود الفعل الغاضبة على بشاعة الجريمة على مواقع التواصل الاجتماعي للدرجة التي تطالب فيها الأغلبية بإعادة النظر في التشريع الجنائي وقانون العقوبات وتطبيق الحد كما جاء في الشرع الكريم “العين بالعين” لأن هذا يضمن عقوبة توازي الجريمة التي صدمت المجتمع الأردني وكانت حديثه على مدار الأيام الماضية يدرك حجم الصدمة والذهول التي تستدعي التوقف عندها وإعادة النظر بالتشريع وضمان وجود آليات تحول دون تكرار جرائم العنف الأسري التي تفشت نتيجة غياب الرادع القانوني والاستسلام لثقافة بالية تحت مسميات عديدة تدفع ثمنها الضحية فقط وعائلتها.
جريمة جرش الأخيرة ليست يتيمة من ناحية الإيغال في الوحشية ضد النساء سواء كن زوجات أو أمهات أو بنات فلقد سبقها العديد من الجرائم التي أقدم فيها ابن على قتل والدته وقلع عينيها وتشويه وجهها وهو تحت تأثير المخدرات وأيضا إقدام زوج على حرق زوجته وأولاده في مركبته قبل سنوات، وغيرها الكثير من الجرائم التي رصدتها مراكز حماية الأسرة ومؤسسات المجتمع المدني وقرارات القضاء الأردني.
ارتفع منسوب الجريمة والعنف “المعلن عنه” ولكن هناك العديد من قضايا العنف الأسري والعنف ضد المرأة ما زالت خلف جدران البيوت تحول دون كشفها العادات والتقاليد؛ هذا يستدعي التساؤل عن التحولات الخطيرة التي باتت تحكم مجتمعنا وهذا الافراط في النزوع نحو العنف بشكل عام وضد المرأة بشكل خاص بالرغم من أن تقارير مديرية الأمن العام تقول أن معدل الجريمة في الأردن طبيعي قياسا بعدد السكان إذ بلغت بمختلف توصيفاتها القانونية خلال الخمس سنوات الأخيرة 128 ألف جريمة وهو رقم كبير ويستدعي قراءة الدلالات والأبعاد في الإطار الاجتماعي والقانوني.
جرائم العنف بشكل عام وضد النساء بشكل خاص ليست جديدة في الأردن ولكن الجديد هنا التنوع والتجديد في أساليب الوحشية التي لا يمكن الصمت أمامها، وبمعزل عن محاولات بعض مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرأة توظيفها باعتبارها جريمة تمييز ضد المرأة إلا أن المهم هنا التركيز على الحماية وضرورة التبليغ وعدم التساهل وهي مسؤولية المجتمع والدولة. والمسؤولية المضاعفة على المشرع ضرورة أن تكون القوانين رادعة والأهم من كل ذلك تطبيق الأحكام التي اكتسبت الدرجة القطعية منذ سنوات ولم تنفذ وخصوصا في جرائم القتل وإلحاق الضرر الجسدي بالآخرين.
الغد