الجزء الاول
الدستور في الأصل، هو أولاً قرار مكتوب والمطالبة الأولى للحركة الدستورية التي قد تطورت خلال القرن الثامن عشر، هي في الحقيقة، التي تطالب، بتحرير في نص مهيب، لقواعد تنظيم الدولة. والشكل المكتوب هو أولاً ضمانة للأمن
: لأنه يجعله عاماً، كما يقنن سلفاً شروط الدخول للسلطة وممارستها، فهو يقوم، أو يعتبر أنه يقوم، بدور الضمانة حيث أن كل واحد، وفي الدرجة الأولى، الدستوريون، رؤساء وحراس الميثاق، باستطاعتهم، في كل وقت، مقارنة النص بالعمل، وعند اللزوم تذكير الحكام بالنظام الدستوري المكتوب محددين بذلك حريتهم بالعمل، والكتابة بذلك "تقوم مقام الميكانيكية العملية لمنع المنازعات" . وضمن إطار هذا المنطق، لن يكون هناك مكان للإجتهاد في دولة لها دستور،تشريع، أو إجتهاد المحاكم، كتب (روبسبير Robespierre)، ليس شيء آخر الا القانون، وكلمة الإجتهاد، يتابع يجب محوها من لغتنا.
ونجد نفس القناعة أيضاً لدى (مونتسكيو Montesqiue) الذي برأيه "من ثلاث سلطات تلك التي تقضي هي نوعاً ما لا شيء،----وقضاة الأمة" ليست " الا الفم الذي ينطق كلام القانون" .
والحال هذا، مذ السنوات (1971-1974)، جميع المراقبين متفقون للتحقق بأن الدستور قد أصبح أكثر فأكثر إجتهادي، قراراً دائماًمكتوباً بدون شك، لكنه مكتوب من قبل القاضي الدستوري. فماذا يعني هذا التحول، وهذا الإنقلاب؟ هل هذا آخر العنقود الدستوري؟ وهل اليوم قد أزفت لحظة موت مفهوم الدستور، التي قد تنبأ بها الأستاذ (جورج بوردو Georges Burdeau)؟ والنظام الدستوري الذي بناه المجلس، لا يمكنه في الحقيقة أن يخرج عن الإنتقادات التقليدية الموجهة لكل نظام إجتهادي: يصبح غير أكيد وغير ثابت، لأنه خاضع للتحولات التي لا بد منها في الإجتهاد، وبالنتيجة يضمن بصورة سيئة الأمن الحقوقي وضمانة حقيقية للحقوق، ويبتعد عن الرأي عندما يصبح، حسب تعبير (رينيه كابيتانت (René Capitant، "سر القوى" "Le Secret des Puissants) ، وهو يعلن "بأن القانون يجب أن يكون مكتوباً، لأنه يجب أن يكون عاماً ويجب أن لايكون سر السلطات لكن القاعدة العامة والعمومية، لأن القاعدة القانونية طاغية ما دامت غير مرئية، كما أن التدوين هو شرط للقانون العادل ولخضوع مقبولاً بحرية".
فماذا يبقى في ختام هذه الإنتقادات، من الدستور الذي ينظر اليه، من خلال نعمة التدوين المهيب المسبق، كأداة لشفافية السلطات، ونقطة رسو محددة، عامة وثابتة للحياة السياسية والقانونية للبلاد؟
والقانون الدستوري الإجتهادي هل أصبح هكذا قرار وفاة مفهوم الدستور؟ بفكرة ما، نعم، ولفكرة الدستور نفسها، بالتأكيد كلا. وأكثر دقة، والمحكمة الدستورية هي مع مبدأ فكرة جديدة للدستور تقوم على ثلاث أسس: ضمان حقوق المحكومين، وإعطاء صفة الرسمية للقانون، وخلق مجال مفتوح للإعتراف غير المحدود بحقوق وحريات. والمقصود بهذا، لا تدني ولا موت، ولا حتى بقاء، لكن أن يكون هناك دستور اليعازري حقيقي.
1- الدستور، ميثاق إجتهادي
لحقوق وحريات المواطنين
في فترة ما بين الحربين، كان العميد (موريس هوريو) قد دافع عن وجهة النظر القائلة بوجود دستورين، إحداها سياسي يتعلق بتنظيم وسير الدولة، والآخر إجتماعي يعبر عن حقوق وحريات المواطنين، والفلسفة السياسية للمجتمع . وبدون نجاح كبير، لحد أنه يبدو بديهياً، وعلى الأخص في ظل تأثير القوانين الدستورية لعام 1875، حيث أن الدولة تعرف أولاً من خلال "دستورها السياسي". وفعالية المجلس الدستوري تسمح اليوم بإعادة تقييم هذا الطرح، بمقدار حيث أنه مع مبدأ توسع مفهوم الدستور الذي يتضمن من الآن وصاعداً، علاوة على المواد المتعلقة بالسلطات العامة، إعلان عام 1789 ونصوص مقدمة دستور عام 1946. والنتيجة، فالدستور، يعدل بدون توقف في إتزانه الداخلي من خلال تطور إجتهادي يضاعف المبادئ الدستورية ويبدو أكثر فأكثر كميثاق إجتماعي يضمن حقوق المحكومين باللإعتراف لهم بمجال منفصل عن الحكام.
قراءة للمادة 16 من إعلان 1789
خلال مدة طويلة، من أجل تعريف الدستور، كان الفقه، قد أخذ فقط من المادة (16) من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لعام 26 آب 1789 ،
الجزء الثاني من العبارة: دستور، هو تنظيم فصل السلطات بدون شك الضمانة لحقوق وحريات المواطنين لم تكن منسية، لكن كانوا متأثرين بفكرة مونتيسكيو، فرجال عام 1789 وبالتالي، المؤسسون كانوا قد اعتبروا هذه الحماية كنتيجة ضرورية لتحديد السلطة الناتجة عن تقسيمها، والكل سيصبح فاقداً لحرية المواطنين، كتب مونتيسكيو"إذا نفس الرجل أو نفس الهيئة من الأشخاص الرئيسيين، أو من الأشراف، أو من الشعب، مارسوا هذه السلطات الثلاثة، كعمل القوانين، وتنفيذ القرارات العامة، والفصل في الجرائم أو الخلافات بين الخاصة" . وهكذا، فإن القانون الدستوري كان يسيطر عليه عندئذ مناقشة حول شكل فصل السلطات الأفضل للحرية السياسية للأفراد. وكان الدستوريون قد انقسموا حول الفضيلة والعيوب لكل من النظام البرلماني والنظام الرئاسي، والجميع قد اتفق على الشرط بأن الحرية قد اعتمدت على التنظيم الدستوري للعلاقات بين السلطات العامة. وهذا المفهوم سيبقى كفالة مشروعة حتى يعترف الفقه مع (ميشيل ثروبيه Michel Troper) بأنه "بالنظر اليه بدقة كلية، فإن مبدأ فصل السلطات لم يوح لأي من دساتيرنا" ويتحقق أنه عملياً، مهما كانت النوعية الخاصة للنص الدستوري، فإن وحدة سلطة الدولة أعيد إنشاؤها بنعمة من منطق الأغلبية الذي يمنح معسكراً منتصراً للسيطرة على السلطة النموذجية.
بعد تجاوز اليأس القانوني ، هذا الإكتشاف يدعو الى إعادة التفكير بفكرة الدستور ---سنجد من جديد تعابير الجزء الأول من المادة (16) من إعلان 1789، وإذا تبين أنه مستحيل وغير ممكن أن "من نص الأشياء، بأن السلطة توقف السلطة"، فإذا كان فصل السلطات تكشف أنه غير قادر، عملياً أن يضمن الحرية السياسية للمواطنين، وإذا بقي الإعتقاد في الفضيلة الديمقراطية والمدينة لنص دستوري، فعندها هذا الأخير سيهتم أكثر بحقوق المحكومين كنظام الحكام القانوني. وبعبارة أخرى، يجب تغيير الموقف، بحيث أن يكون الإنطلاق من المواطن وليس من السلطات العامة، من المجتمع المدني وليس من الدولة، ومتابعة البحث عن ضمانة الحقوق، وليس من التفكير في أفضل تنظيم للسلطات، ولكن باعداد ميثاق للحريات الذي به
يستطيع المواطنون فرض الإحترام على الحكام، وإدراكه على هذا النحو، يصبح ليس كما كان في السابق، التعريف للعلاقات بين المؤسسات، وفصل السلطات، الدستور، هو من الآن فصاعداً التعريف للعلاقات بي المواطنين والدولة، وميثاق للحقوق، والحريات والتي ضمانتها مؤكدة من خلال وضع ميكانيكية لمعاقبة أجهزة الدولة .
والإنقلاب في المنظور هو حديث في فرنسا. في عام 1958 أيضاً، والفكرة الدستورية القديمة مسيطرة، والجمعية الوطنية تذكر باصرار في قانونها الصادر بتاريخ 3 حزيران 1958، بالضرورة على السلطة التأسيسية أن تحترم مبدأ فصل السلطات، ومن حرروا الدستور قد كرسوا الأساسي من طاقتهم بأن ينظموا بدقة العلاقة بين السلطات، وإذا كانوا قد أنشأوا المجلس الدستوري، فهم ينتظرون منه أن يكون منظِماً إضافياً للسلطات العامة: يجب الإنتظار، يقال، 1971 وزيادة على ذلك 1974، كي يسطع الدستور- بفصل السلطات وأن يحي الدستور- ميثاق للحقوق والحريات. وهذه التواريخ، بالرجوع مباشرة للمجلس الدستوري، يبين بأن المرور في دستور الى الآخر يتم من خلال تحول في شكل تكريس الحقوق، تحول الذي، بالعودة، يعدل بعمق السير الدستوري، وعلى وجه الخصوص الشروط التي من خلالها يتم إنجازاً للعمل الحكومي. (يتبع)
المقال بقلم البرفسور الفرنسي دومنيك روسو وترحمه الى العربية الاستاذ الدكتور نفيس مدانات