الباقورة والغمر مرة أخرى
اللواء المتقاعد مروان العمد
13-11-2019 03:05 PM
بعد ان حقق الاْردن الرسمي والشعبي نصره بإلغاء العمل بملحقي اتفاقية وادي عربة وقبل ان تكتمل فرحته بهذا الإنجاز التاريخي العظيم حتى خرجت علينا مجموعة من التعليقات والتحليلات لما حصل ولما يمكن ان يحصل هي في مجموعها تعكس حالة غياب المعلومة الصحيحة لدى المواطن مما يتطلب من الجهات المسؤولة ان تبادر الى إيضاح الحقائق والتي سأحاول انا ان أضع وجهة نظري بخصوص بعضها بناءً على ما لدي من معلومات وتحليلات دون ان ادعي ان ما أقوله هو الحقيقة المطلقة
وأول ما سأتحدث عنه هو حملات التشكيك التي انطلقت حول جدية هذا القرار والادعاء ان هذا الامر هو امر شكلي تم بالتنسيق مع الجانب الآخر كمساهمة منه بتسجيل النظام الاردني انتصاراً شكلياً له امام جماهيره في ظل الظروف التي تمر بها البلاد مرددين في ذلك إدعاءات الصهيوني أدي كوهين ومتجاهلين ان هذا الجانب الآخر وبما يتمتع به من غطرسة وغرور لن يقبل ان يسجل عليه مثل هذه الهزيمة مهما كانت المبررات والأسباب .
ثاني النقاط التي تناولها المواطنين وفي مفهوم خاطئ ان الذي جرى هو إنهاء لتأجير تلك المنطقتين والتي عادت على الاْردن خلال السنوات السابقة حسب الإدعاء بالمليارات من الدولارات والتي لم تظهر ضمن مصادر الدخل مطالبين بمعرفة مصيرها ، مع انه لايجود شيئ يدعى تأجيراً للباقورة والغمر ولم ترد كلمة تأجير او مقدار هذا التأجير في الملحقين المتعلقين في المنطقتين ولكن كل الذي ورد هو تطبيق نظام خاص لإدارة تلك المنطقتين .
ثالث النقاط التي سوف اتحدث عنها هو القول ان هذا الإجراء هو اعادة للسيادة الاردنية لهاتين المنطقتين وهذا الامر غير دقيق بشكل كامل ، حيث ان السيادة الاردنية كانت قد عادت اليهما مع توقيع اتفاقية وادي عربة وكما ورد وبصريح العبارة في الملحقين المتعلقين بهما وانهما تخضعان للقانون الاردني ولكن ضمن ترتيبات خاصة واردة في الملحقين .
ولذا فقد كان الجيش الاردني يتواجد بهما ويرفع العلم الاردني بهما وعندما قام الجندي الاردني احمد الدقامسه بإطلاق النار على الطالبات الإسرائيليات فقد كان موجوداً داخل منطقة الباقورة ضمن قوة حرس الحدود التي كانت متواجدة فيها . ولكن لنكن واقعيين فأن هذه السيادة كان يعيبها كثيراً بعض البنود الواردة في الملحقين والتي اكتملت الآن بألغائهما .
كما كثر الحدث عما سيترتب على إلغاء الملحقين من خير وفير سيعود على الاْردن اذا قام هو بإستثمار تلك المنطقتين والبعض ذهب الى درجة تصوير هذا الخير وكأن به حل لجميع مشاكل الاْردن الاقتصادية وانه سوف يوفر للأردن دخلاً هائلاً قدره البعض ليس بالملايين ولكن بألبلايين ، وأبدى الكثيرين تخوفهم من اسائة استخدام هذا الدخل المرتفع او توزيع اراضي المنطقتين على الأحباب والمحاسيب . ومع إقراري بأن من حق الاْردن الآن ان ينعم بخيرات تلك المنطقتين مهما بلغت ، وان يكون ذلك بطريقة سليمة وبعيداً عن الفساد ، ولكنني اريد ان اوضح ان المبالغة بما سوف يوفره استغلال المنطقتين لأردن من دخل امر غير واقعي ولا منطقي وقد يكون له مردوات عكسية عندما تظهر حقيقة الامر الواقع ولا تحقق تلك المنطقتين الدخل المأمول وما سيترتب على ذلك من مجال لإثارة الشكوك والاتهامات بألفساد وسرقة هذه المداخيل.
وحتى اوضح وجهة نظري سأتحدث عن واقع الامر في كلا المنطقتين وبداية من منطقه الغمر ، الغمر تقع في جنوب الأردن وضمن محافظة العقبة وضمن حدود بلدية قريقرة وفينان التابعة لقضاء وادي عربة ، وهي منطقة تمتد على الحدود مع الكيان الصهيوني وبمحاذاة مستعمرة تسوفار وعلى شريط يمتد لخمسة كيلومترات وبمساحة اجمالية تبلغ أربعة كيلومترات مربعة . وهذه المنطقة جزءاً من عدة مناطق قام هذا الكيان بألإستيلاء عليها في منطقة وادي عربة مابين عامي ١٩٦٨ و ١٩٦٩ وبلغت مساحتها ٣٨٧ كلم مربع ، وحسب ترتيبات اتفاقية وادي عربة فقدتم الانسحاب منها جميعها او تسوية مواضيعها باستثناء منطقة الغمر البالغ مساحتها أربعة كيلومترات مربعة وتضم ٤٢٣٥ دونم والتي رفضت اسرائيل إعادتها والسبب في ذلك يعود الى انها وبعد ان قامت بإحتلال هذه المنطقة والغنية بالمياه وان كانت مياة مالحة ، الا انها قامت بإستغلالها من خلال تطوير الزراعات فيها لكي تعيش وتروى على المياه المالحة وهي تقنية كانت قد اتبعتها وطبقتها في عدة مناطق من صحراء النقب . وقد احتجت اسرائيل حينها انها انفقت أموالاً طائلة على استثمارها ، ولهذا ولإنقاذ مباحثات اتفاقية وادي عربة فقد تم الاتفاق على وضع نظام خاص يمكن الجانب الآخر من استغلالها بترتيبات خاصة مع خضوعها للسيادة الاردنية وكما هو وارد في الملحق الخاص بالغمر والذي لم يتحدث عن حقوق ملكية فيها ولكن عن حقوق استعمال اسرائيلية ( لمدة خمسة وعشرين سنة تمدد تلقائياً لفترات مماثلة ما لم يخطر أحد الطرفين الطرف الآخر بنيته بإنهاء العمل بهذا الملحق قبل سنة من انتهائه وفي هذه الحالة يدخل الطرفان في مشاورات حيالها بناء على طلب أي منهما ) .
وقد تم زراعة تلك المنطقة بالخضراوات وبأشجار النخيل وبالطرق الحديثة مما جعل مستوى إنتاجها مرتفعاً . ولكن ومع محدودية مساحتها للزراعية والتي تبلغ ٤٢٣٥ دونماً فأن ذلك يعني ورغم أهمية إنتاجها وقيمته ان هذه القيمة لا يمكن ان تصل الى المبالغ الخيالية التي يجري الحديث عنها وانها لن تحدث هذا الفارق الكبير في الإنتاج الزراعي الاردني . ولكن اذا احسنا ادارتها واذا طبقنا الأساليب الزراعية المعمول بها فيها على آلاف الدنمات التي تمثل امتداداً طبيعياً لتلك المنطقة والغير مستغلة من قبلنا ، فأن هذا يمكن ان يحقق للأردن دخلاً مجزياً وان هذا الذي سيحدث الفارق على الدخل الأردني . اما بالنسبة لإدارتها فأنني ارى ان تدار على نفس الطريقة الناجحة التي تدار بها مزارع الحق بمواقعها المختلفة بوادي عربة حيث ستكون هذه الطريقة هي الأجدى بأدارتها ، حيث لا توجد مشكلة بذلك من حيث الملكية كون ملكيتها تعود لخزينة الدولة .
اما بالنسبة لمنطقة الباقورة فأن مساحة المنطقة التي يشملها الملحق الخاص بها هي ٨٥٠ دنماً وهي من حيث المساحة اقل بكثير من مساحة الكثير من المزارع التي يملكها مواطنين اردنيين وبشكل فردي والتي تبلغ مساحة بعضها فوق الألف دونم . ومهما بلغ انتاج هذا المنطقة فلن يكون لها ايضاً هذا الفارق الهائل في الإنتاج الزراعي الاردني بالرغم من وفرة المياه فيها كونها تقع عند ملتقى نهري اليرموك الاْردن ، وبالرغم من الأساليب الزراعية الحديثة التي تستخدم فيها علماً ان هذه المزايا متوفرة في اكثر من خمسة آلاف دونم هي باقي اراضي الباقورة وفي مناطق أخرى من الأغوار الاردنية وان كان ينقصها استخدام الأساليب الحديثة في زراعتها . بالرغم من نوعية المزروعات التي تزرع فيها والتي تتوزع ما بين زراعة الخضروات والنخيل والافوكادو وتربية الأسماك والتي يزرع مثلها في مناطق الاغوار الأخرى وثبت نجاعة زراعتها .
والذي اريد ان اخلص اليه ان تحسين أساليب الزراعة في مزارعنا هو الذي سيحدث الفارق الكبير في دخلنا منها وليس المردود الزراعي من الباقورة والغمر وحده هو الذي سوف يحدث هذا الفارق ، مع تمسكنا بحقنا بمردودهما وخيراتهما مهما بلغ لكن دون المبالغة في ذلك ودون ان نقع بوهم انهما من سينقذ وضعنا الزراعي والاقتصادي حتى لا تكون خيبتنا كبرى وحتى لا نتبادل الاتهام بعد ذلك بسرقة خيراتهما المبالغ فيها .
اما كيف يمكن استغلال هذه المنطقة فأن لذلك علاقة بموضوع حقوق الملكية والذي سأتحدث عنه في مقال قادم .