غزة مشهدنا المعرفي حين يخلو الوقت من أي فلسفة تجريدية بناءة، مثلنا في ذلك مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث. ولكنها على النقيض تماما فهي دائما ما تثابر في تسجيل الوقت بدقة وأمانة. غزة صراع إشارات وهدنة هنا وهناك، أرض مفتوحة على كل الإحتمالات. غزة نهر بلا أدوات، وبلا حتى مصباح أو زجاجة، لا شيء يستوقفه، لا شيء يوقفه، لا سيارة الإسعاف ولا القتلى على ثنايا الرصيف ودائما ما يأتي بكامل الحمل وزيادة.
غزة مشهدنا البنيوي المفتوح على مصراعيه لريح والأعداء حين يخلو المكان من أي خطاب سلطوي بناء. غزة شق في جدار، حرة وشاهدة كالزبد الحار، كزحام الفراش على مشكاة من فضة وماء. غزة البيت الذي يموت فيه وفي اليوم الواحد وفي المنزل الواحد ثمانية، الجد الذاكرة والجدة الحناء، الأخ الأخير والولد الوليد، والجارة بيروت وابن الأخ الوسيم، الجار العاطل عن العمل والذاهب فينا دونما كلل أو ملل. غزة فاصل إعلاني في نشرة أخبار، خط فحمي يقطع هذا المدى اللانهائي إلى آخرنا وآخره وكأن شيئا لم ينكسر وله فينا ولنا فيه ألف خيار وخيار. غزة ومن خلفها آلات الحديد حين تنتقي لنا موتنا وعلى مهل ولنا فيها ألف رافعة وألف ميلاد جديد.
غزة وقد اختلطت شخوص المسرح الدنيء من خلفنا فلا نكاد نسمع لهم سوى همسا، غزة ليست منا ببعيد. غزة رقص الأفعى وعربدة الزناة، زيت الغزاة والغناة ولنا فيها مقعد للكلام وأسباب لقاء جديد.
هل أسمع شيئا عن الطلاق، في حضرة الموت الذاهب بنا، فلينحن كل ما هو دون ذلك، فقد تم الإتفاق، غزة ملح الأرض، خارطة الطريق، عناق الدم بالدم، أقواس نصر وسحاب، آخر معاقل الرب، عودة الغائب. غزة رسالة بلا عنوان، إلى من يهمه الأمر، (ليسبح من يقدر على السباحة، وليغرق كل من يجد نفسه ثقيلا.)