أثبتت الأحداث الأخيرة المتعلقة بملفي الباقورة والغمر وإطلاق سراح المعتقلين
الأردنيين اللبدي ومرعي ان حاصل العلاقة بين الأردن وإسرائيل ليس لعبة صفرية بالضرورة Zero Sum Game وأن جميع الأطراف يمكن أن تخرج رابحة وبمكاسب معقولة ومقبولة ، كما أنها أثبتت أن الأنماط الفكرية التقليدية السائدة في تقييم العلاقة الأردنية الإسرائيلية غير متصلة بالواقع ،بمعنى ان القيادة السياسية في كلا البلدين قادرة على الاستجابة للتوازنات الداخلية وتأخذ في عين الاعتبار المطالب المجتمعية الراشدة عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات لها انعكاسات مباشرة على مواطني كلتا الدولتين.
ويمكن لنا أن نرصد العديد من الملاحظات السريعة حول العلاقة الأردنية الإسرائيلية من خلال معاينة الاشتباك الدبلوماسي الأخير بين الدولتين على النحو التالي :
اولاً: نجاح الدبلوماسية الاردنية في تجاوز الأزمات والمطبات السياسية التي عصفت بالعلاقة بين البلدين ومحاولة احتوائها بحيث لا تمتد الى مجالات أخرى من التعاون، وقدرة صانع القرار الأردني على الفصل بين الملفات المتداخلة وعدم السماح للتداعيات السلبية المُحتملة على ملف ما من إضعاف موقف الأردن في ملف اخر او الاضطرار إلى تقديم تنازلات هنا لتحقيق إنجازات هناك.
ثانيا : إصرار المؤسسات العميقة في كل من الأردن وإسرائيل على الحفاظ على العلاقات بين البلدين ، وهو إصرار نابع من الإيمان بأن العلاقة الاردنية الاسرائيلية هي علاقة استراتيجية لا يمكن التضحية بها على مذبح المطالَب الشعبية في كلا البلدين رغم كل ما يصدر من أعضاء النخبة السياسية سواء في الأردن واسرائيل، كما أن هناك قدرة لا متناهية لكلا الطرفين على تجديد العلاقة وتطويق الأزمات مهما كانت خطيرة وعنيفة ،رأينا ذلك في حادثة الجندي الدقامسه ومحاولة اغتيال خالد مشعل وأزمة السفارة والتوترات المتكررة في الحرم القدسي .
ثالثا: التنسيق الأمني بين الاردن وإسرائيل هو اداة الضبط وعمود التوازن الذي يمنع انفلات وتدهور العلاقات بين البلدين لمستويات خطيرة ، وهذا التنسيق هو محل تقدير من القيادات السياسية لمواجهة التهديدات الأمنية المشتركة في مجال مكافحة الاٍرهاب ومواجهة النفوذ الايراني في المنطقة بشكل عام وفِي الجنوب السوري بشكل خاص.
رابعاً: العلاقات بين الأردن واسرائيل لا يمكن لها أن تمضي في مسار تصادمي لأن البيئة الجيواستراتيجيّة في الشرق الاوسط والبيئة السياسية للصراع العربي الاسرائيلي لا تسمح بذلك ، صحيح أن هذه العلاقات لا تسير في منحى تعاوني تصاعدي كبير بسبب وجود بعض المعيقات لكن يستحيل على هذه العلاقة ان تتحول الى علاقة صدامية على الأقل في المديين القريب والمتوسط.
خامساً: لا توجد استراتيجية اسرائيلية واضحة للتعامل مع الأردن كما لا يوجد كذلك استراتيجية أردنية محددة للتعامل مع اسرائيل ويتم ترك العلاقات بين البلدين لتقلبات الظروف والأحداث ويفتقر كلا البلدين لمنظومة حوار ومنصات اشتباك والاهم من ذلك أنه لا يوجد آلية لتجنب التوتر ومنع التصعيد .
سادسا : خزان المعلومات الوطني الأردني المتخصص بإسرائيل فارغ تماماً وهناك نقص مخيف في المعرفة والبيانات والتحليلات حول الديناميات السياسية الاسرائيلية والذي ينعكس بشكل مباشر على عملية اتخاذ القرار في الأردن ،إضافة الى تصدر المشهد السياسي والإعلامي مسؤولون وصحافيون يتناولون الشأن الإسرائيلي بسطحية مثيرة للشفقة تؤدي الى تضليل الرأي العام وتقزيم إنجازات الدبلوماسية الاردنية .
وأخيرا ، العلاقات بين الدول تبنى على المصالح وليس العواطف وعليه فإن المطلوب اردنياً هو تبني استراتيجية وطنية واضحة تجاه اسرائيل تتضمن اشتباكا سياسيا واعلاميا والاستفادة من وجود أعضاء الكنيست العرب وأصوات أخرى مؤيدة للمصالح الاردنية ،فتح قنوات حوار لإيصال الصوت الاردني للرأي العام في اسرائيل ، مغادرة حالة الإنكار ، وقف تمدد روح العدمية والشعور بالهزيمة المتمثّلة بضعف الإيمان بدور الاردن وقدرته على الصمود ومواجهة التحديات .
Mutaz876@gmail.com