كان يوم الأمس يوماً أردنياً بإمتياز فالجميع محلياً وعربياً وحتى دولياً كان يترقب العاشر من تشرين ثاني الموعد الرسمي لإنتهاء ملحق الباقورة والغمر أُردنيتا السيادة والمؤجرتان للصهاينة منذ خمس وعشرين عاماً وفقاً لإتفاقية وادي عربه الشهيرة , الترقب كان كبيراً لردة الفعل الصهيونية خصوصاً وهي التي اعتادت ومنذ فترة استفزاز الاردن ووضعها بمأزق تلو الأخر أمام الشارع الاردني المنحاز دوماً ضد اسرائيل والمشحون عاطفياً تجاه هذا الكيان الغاصب , لكن الصهاينة وعلى الجانب الاخر كانوا أكثر حده في ردة الفعل ضد حكومة نيتنياهو وكثُرت أصابع الاتهام نحوه بكونه رئيس الوزراء الذي لطالما سعى لشرخ العلاقات مع الاردن رغم كل مصالحه الإستراتيجية القائمة على معاهدة السلام فكان الاستفزاز متواصلاً مره بإنتهاك الوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية في القدس ومرة بقتل أردنيين والاحتفال بالقاتل وأخيراً بإعتقالات غير مبررة لمواطنين أردنيين.
اليوم أسرائيل سلمت بالأمر الواقع ووصلت ربما لقناعة أن حجم الاستفزاز والصدع في العلاقة مع الاردن وصل حده وأن معاهده السلام المستفاد منها إسرائيلياً على وشك السقوط فكان لابد من العودة خطوة للوراء ورأب الصدع هذا لتجنب خسارة الجبهة الاردنية التي تمثل أخطر الجبهات على الوجود الصهيوني في المنطقة , وعليه كان على الصهاينة تقديم مبادرة حسن النية بتسليم الأسيرين هبة اللبدي وعبد الرحمن مرعي للأردن دون قيد او شرط وإغماض العين عن الاحتفال الاردني الكبير بهما ثم كان عليها أيضاً عدم التصعيد في قضية تسليم أراضي الباقورة والغمر رغم صعوبة رؤية الراية الاردنية العربية ترفرف عالياً وسط أراضٍ لطالما تمتع بها الصهاينة بغير وجه حق .
على الجانب الأخر كان الملك عبدالله يضعُ لمساته الاخيرة على خطاب العرش الذي يُشكل استحقاقاً دستورياً لبداية الدورة العادية لمجلس النواب ولكن هذا الخطاب كان مختلفاً وغير معتاد منسجماً مع ما وصفه الملك في خطابة حين قال " دورة عادية بظروف إستثنائيه" , حيث لُوحظ ارتفاع الروح المعنوية في الخطاب كما لو كان قد تخلص من عبءٍ كبير وعاد للتذكير بمرور عشرين عام على أول خطاب عرش في حقبته كملك هاشمي وبكل تأكيد لم يغفل عن ذكر والده الحسين عبقريَ التعامل مع الصهاينة , ومن ثم التركيز المطلق على الجيش الاردني ووصفهم برفاق السلاح وهو المصطلح المحبب لدى منتسبي ومتقاعدي القوات المسحلة الاردنية وهنا عودة من الملك لواحد من أهم مرتكزات الدولة الاردنية التي قامت عليها ولو أن الملفت سلباً هو غياب الأمراء فيصل وعلي وحمزة وهو الأمر الذي يحصل ربما للمره الاولى خلال العشرين سنة الماضية.
الملاحظة الأبرز خلال خطاب العرش كانت حين عرَج الملك على الباقورة والغمر وردة الفعل من الحضور من مجلس الأمة والوقوف جميعاً والتصفيق الطويل والذي يبعث برسالة واضحة للكيان المحتل بأن الأردن يمانع شعبياً التطبيع مع اسرائيل حتى وهي في أضعف احوالها اقتصادياً وسياسياً , حتى أن الملك لم يغفل عن ذكر القضية الفلسطينية والوصاية الهاشمية وحل الدولتين الذي لا بديل عنه لإنهاء الخلاف المتجذر .
ختاماً الأردن احتل المرتبة الأولى وخرج بالعلامة الكاملة في حربه الباردة مع إسرائيل وتل ابيب ربما تمنعت عن القيام بمغامرة غير محسوبة في المنطقة أو ربما طُلب منها تهدئة الاجواء أستعداداً لما يُجهز للمنطقة من حلول جذرية لن تكون مرضية للأردن تحديداً.