"اليوم مسؤولون وفي الغد مساءلون"
د.محمد المومني
11-11-2019 11:57 PM
جملة العنوان، وأخرى غيرها، من أبلغ محطات خطاب العرش، الذي افتتح فيه الملك بموجب أحكام الدستور الدورة العادية الاخيرة لمجلس الأمة. الملك يطلب ويأمر المسؤولين التحلي بالشجاعة في حمل أمانة المسؤولية، واتخاذ القرارات وتنفيذها، فإن لم يفعلوا فهم غداً حكماً مساءلون من التاريخ والمجتمع ومنه كملك للبلاد وحامياً وضامناً للدستور. هي إشارة واضحة على رغبة الملك وأوامره بأن يقوم صناع القرار بما عليهم من واجبات بحسب مواقعهم على اختلافها، وألا يترددوا ولا يتلكؤوا، فالأردن والأردنيون يستحقون صناعة قرار شجاع، يدقون صدورهم للتحديات، يدركون أن مع السلطة والمسؤولية تأتي المساءلة للمقصرين والمترددين.
ذكّر جلالة الملك الأردنيين بحجم الخير الكبير الموجود بالأردن، وكم خاض من التحديات الجسيمة عبر تاريخه خرج منها دوما أقوى وأقدر. خطاب الملك كان حرباً على السلبية والتشاؤم ورفعاً للمعنويات الوطنية، فالملك يدرك خطورة هذه الظاهرة على البلد والأردنيين، وكيف أنها تحبط الناس وتخيفهم، وتزعزع اليقين الضروري للإقدامية والعمل والبناء. طمأن الملك شعبه أن كما في رقبتهم أسرا وأطفالا ففي رقبته الأردن بأسره، وأن الأردن بعزيمة أبنائه قادر وسائر نحو التقدم والازدهار. يجيب الملك على أسئلة يتداولها الأردنيون حول النهايات والى أين نحن سائرون، ويقول لهم إننا سائرون بثبات وعزيمة نحو المستقبل الواعد الذي سيصل بالأردن إلى ما يستحق من تقدم. لا يقولها الملك في خطاباته، ولكن نحن معشر المدققين يمكن لنا القول أن طارحي هذه الاسئلة إما أردنيون مخلصون خائفون على بلدهم بسبب السلبية التي تتكرر على آذانهم، وإما مغرضون طابور خامس يطرحون هذا السؤال اللئيم عن قصد لإثارة القلق والريبة في النفوس، وإما فاشلون يبررون إخفاقاتهم الذاتية على أنها من صنع الدولة مستغلين سعة صدر الدولة. لكل هذه الفئات الجواب الملكي الواحد: إننا نسير بثبات وعزيمة للتقدم العلو.
يؤكد الملك فعلا لا قولا على قوة الأردن ومنعته وضرورة الإيمان بقدرته الكبيرة وبصلابة عزيمته، ويعلن بلغة قوية بسط السيادة الكاملة على كل “شبر” من اراضي الغمر والباقورة، في موقف سياسي إستراتيجي قوي يقف أمام صلف اليمين الاسرائيلي واستهتاره بمصالح الأردن. يقف الملك بوجه كافة الضغوط الدولية وكأنه يقول لشعبه نحن أقوياء وماضون بعزيمة الأردنيين الى ما يستحقونه.
خطابات الملك موجزة ومكثفة يجري إعدادها بعناية بالغة وتدبر عميق، وخطاب العرش هو خطاب الدولة السنوي الذي يحدد فيه ملك البلاد وحامي الدستور ورأس السلطات التوجه الاستراتيجي للدولة، وقصداً تخلى الملك عن مفردة “حكومتي” ليتحدث عما تنوي أو تتعهد “الحكومة” القيام به، في إشارة لضرورة أن تتحمل الحكومة مسؤولية السياسات والقرارات عملا بروح الدستور التي تضع المسؤولية السياسية والقانونية على الوزراء ورئيسهم، وترسيخاً لدور الملك حامياً للدستور وضامناً للتوازن بين السلطات، فهو لها جميعاً يمنع ويضمن عدم تغول إحداها على أخرى.
(الغد)