جملة في خطاب الملك تخاطب الوجدان
شحاده أبو بقر
11-11-2019 09:29 PM
بداية، أقسم بمن خلق السموات والأرض، أنني لا أكتب تزلفا أو رياء لأحد أيا كان، أنا أكتب للاردن فقط، لكل من هو أردني وأردنية، أكتب حبا للوطن، وحب الأوطان عبادة، أكتب وليس في نفسي ذرة من أجندات غير أجندة الوطن، ولا يلامس فؤادي بذرة من حقد أو ضغينة ضد أحد، أكتب حسرة على ما نحن فيه من نكد وضيق عيش وتلاوم واتهام، وليس لي أن ألوم أحدا، فقط أقول، قاتل الله الفقر أولا، وملعون ثانيا هو حب المال والوجاهة والزعامة الذي أوصلنا إلى حال لا نريده قط، واسأل الله العلي القدير وحده، أن يطهر نفوسنا جميعا، من كل كذب ونفاق ورياء وفساد وجهوية وعنصرية وإقليمية وتعلق غير سوي بالدنيا ومغانمها ونعيمها ، وأن يجعل منا بلد خير وبركة وتحاب وتعاون وتكافل ونخوة وصدق وإيثار وسدا منيعا في مواجهة الشرور أيا كان مصدرها ، وبعد :
هي جملة كبيرة جدا في معانيها وردت في خطاب العرش على لسان الملك ، هزت الوجدان ، قالها الملك بتأثر واضح ، وقد تكون مرت مرور الكرام على الكثيرين منا ، لكنها لن تمر ، وها أنا أعيد التذكير بها ثانية ، قال الملك مخاطبا مجلس الأمة أعيانا ونوابا ( كل واحد منكم في رقبته أسرة ، أنا في رقبتي وطن بأكمله ) ، إحدى عشرة كلمة ، لكنها تحمل في ثناياها الكثير الكثير .
سأجتهد لأقول ، أن الملك يشعر بعظم المسؤولية في وقت جد صعب وحرج ، وأنه يريد أن يقول للعاتبين والغاضبين وللمعارضين والمجتهدين وحتى للموالين ، وكذلك لفئة المنتفعين من الوضع الراهن ، ( إرحموني ) ، فأنا في رقبتي وطن بكل من فيه وما فيه ، أما أنتم ، فلكل منكم أسرة من عدة أفراد يعنى بشؤونهم . كان الملك يوجه رسالة وجدانية غير معتادة ، للأردنيين جميعا بلاا إستثناء .
وسأجتهد أكثر وأمري إلى الله ، فلقد " أحزنتني " والله ، تلك الجملة بالذات ، وشعرت كما لو أن ،، الملك ،، يريد أن يقول دون أن ينطق لسانه ، أنا مثقل بالضغوط خارجيا وداخليا ، وأنتم لا تعلمون ، وأنا أتمنى أن تشرق شمس الغد ، وقد غدا الأردن درة الكوكب ، لكن الحمل ثقيل جدا ، وتجاذبات السياسة الإقليمية والدولية لا ترحم ، وأريدكم أن تكونوا معي .
نعم ، هكذا فهمت ، وأرجو أن لا أكون مخطئا ، فتلك الجملة الوجدانية المعبرة كانت بالنسبة لي على الأقل ، هي جوهر خطاب العرش كله ، قالها الملك بتأثر واضح ، وكان يفترض أن تحرك مشاعر الجميع ، وأن تهز وجدان الجميع أيضا ، فالملك يعرف أدق التفاصيل عن وضعنا الراهن ، ويدرك حجم ما نعاني من فقر وضيق أنتجا ولا حول ولا قوة إلا بالله ، مشكلات جمة إقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا ، لكنه لا يمكن إلا أن يكون متفائلا بالمستقبل ، كما قال ، ولسان الحال هنا ، هو لسان حال أب لا يريد للأسرة ان تحزن أو تضطرب أو تيأس .
وبعد أيضا :
أنا لا أتصور أن حالنا بات مستعصيا على الخروج من هذا المأزق الذي نحن فيه ، أبدا نحن قادرون بعون الله ، على تخطي كل صعب ، عندما نتوافق ، ويجب أن نتوافق ، على أننا فعلا أسرة كبيرة قوامها سبعة ملايين نفس متحللة من كل ضغينة ، صادقة صريحة في تشخيص الداء ، وفي وصف الدواء .
نعم ، نحن بمسيس حاجة إلى المال ، فما الذي يحول دون أن يحكم كل منا ضميره ليعلم أن الموت آت بعد الحياة ، وأن الله جل جلاله ، يعاقب المخطيء ولا أقول الفاسد ، في الدنيا والآخرة معا ، ونستحضر هنا قوله تعالى " قالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك " ، ليس لنبرر للفاسدين فسادهم ، وإنما لنقول إن الفساد موجود حيث وجد الناس على هذا الكوكب ، فما الذي يحول دون أن يعود المخطئون عن خطئهم ويعيدوا طوعا ما أخذوا ، وفقا لمبدأ أن الرجوع عن الخطأ فضيلة ! ، ويا ما أجمل الفضيلة ويا ما أرذل الرذيلة ، وماذا تفيدنا المحاكم والسجون في هكذا شأن ! ، والأهم ، ماذا يفيدنا المال الكثير بعد الرحيل عن هذه الدنيا الغرور الفانية ! وبماذا سنلقى وجه الرحمن أفضل من النقاء والعمل الصالح ! .
ثم ، أليس بمقدورنا أن نتصافى وأن نتصالح جميعنا ونكف عن الإشاعات والتلاؤم والإتهامات ، وجميعها جالبة للنكد والزعل واليأس والضيق وحياة ،، القرف ،، لنستعيض عنها بنقيضها ، عندما يجلس كبار القوم منا للتشاور في كيفية الخروج من مصائبنا ومشكلاتنا ، وعندما لا نولي أمرا ألا لمن كان له أهلا ، وعندما نكف عن الملاحقات والتوقيفات لأراء سياسية ونصفح عمن أخطأ في نظرنا وفقا لمبدأ رباني عظيم يقول ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) .
لقد قال ،، الملك ،، في إفتتاح الدورة العادية للبرلمان ، أنها دورة عادية تنعقد في ظروف إستثنائية ، وما دام الأمر كذلك والملك على حق ، فما الذي يحول دون أن نتخذ قرارات وطنية إستثنائية كبرى ، تضمن مشاركة شعبية أوسع في صنع القرار وإدارة شؤون الدولة ، كي يطمئن الناس وتعود في نفوسهم الثقة بدولتهم وحكوماتهم ومؤسساتهم كما يجب ! .
ما الذي يحول دون أن نسارع في وضع تشريعين جديدين محكمين للأحزاب وللإنتخاب تحديدا ، لنذهب صوب إنتخابات جديدة تفرز برلمانا جديدا على أسس وطنية سليمة مدروسة تفتح الباب لكل رجالات الدولة والبلد عموما للمشاركة ! ، وما الذي يحول دون أن نجلس إلى سائر المعارضين والمطالبين بالإصلاح للتصافي والتشاور والتشارك في صنع القرار ! ، لماذا نشكك في بعضنا البعض بمبرر ودونما مبرر ! ، ولماذا نترك شعبنا نهبا للإشاعات والمعلومات القادمة من غير مؤسساتنا ! .
والله الذي لا إله إلا هو ، إن بمقدورنا تجاوز كل العقبات التي تقف في طريق بلدنا عندما نستمع لبعضنا البعض ، وعندما تتعزز ثقتنا بأنفسنا أولا ، وببعضنا البعض ثانيا ، وعندما ننفض عنا غبار اليأس والنكد والملل والإستسلام للإحباط والشكوى والملامة والإتهامات ، ونقرر أن نكون حالة مختلفة تماما لما نحن فيه الآن ، وعندما نرتقي بالكلمة وشرفها وبالطرح وبالفكر ، لنزيل الغمام من دربنا والغباش عن عيوننا ، ونستيقن من حقيقة أننا جميعا أردنيون نشامى بحق ، وبأيدينا أن ننهض ببلدنا ولا نستجدي غريبا ولا حتى قريبا ، ونوظف هممنا وقدراتنا كلنا للإرتقاء بالأردن الذي ما كان يوما ضعيفا في مواجهة صعب عبر التاريخ .
قبل أن أغادر ، أعيد التأكيد على جملة الملك إياها في خطبة العرش ، برقبة كل منكم أسرة ، أنا برقبتي وطن بأكمله ، وأتمنى أن يفكر كل منا فيها مليا ويتمعن ، فالملك لا يجب أبدا أن يشعر بأنه وحيد في حمل الحمل ، بل كلنا معه ، موالين ومعارضين وراضين وغاضبين وفقراء وأغنياء ومن سائر المشارب والأصول والفصول ، والهاشميون جميعا في الطليعة منا ، متى كنا كلنا أيضا جزءا من المسيرة حيث لا إقصاء ولا تهميش ولا تنكيد ولا إستعداء .
الدنيا كلها وبكل ما فيها ، لا تساوي لحظة نكد وسم بدن وزعل وضيق يمكن ان يعيشها أردني واحد مهما كان موقعه وشأنه ، ومتى وجد الوطن رجاله الرجال الرجال ، فلن يضيره صعب أو خطب ، ومتى كان الجميع مع الملك وحول الوطن والملك ، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ً. ولا نامت أعين الجبناء . دعونا نبدأ ونقول عفا الله عما مضى ونقطة أول السطر ، إن كنا نريد الخلاص من واقع مر مرير مؤلم ينذر بما هو أخطر إن إستمر لا قدر الله . والله وحده لا سواه من وراء قصدي ، هو المولى وهو نعم النصير ، والحمد لله رب العالمين .