من يلحظ امتلاء مساجدنا وساحاتها والشوارع والأرصفة المجاورة لها وما تضيق به من أعداد المصلين وخاصة أيام الجمع ، يعتقد بأنه لن يجد بين صفوفنا كذابا أو منافقا أو آكل حق ، فالدين المعاملة ، كما قال رسولنا الكريم ، ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له . هكذا فهمنا الصلاة وكافة العبادات الأخرى وأن من يؤمن بها ويؤديها لا بد وأن يلتزم أوامر الله ويجتنب نواهيه في كل تعاملاته ومعاملاته ، لا أن يبدأ دخوله إلى المسجد بالقفز فوق رؤوس المصلين الذين سبقوه بالحضور ليتقدمهم بالصف ، بعد أن أوقف سيارته في عرض الشارع ، مغلقا الطريق على الآخرين ، ثم ليختتم رحلته بمناكفة السائل والبائع على باب المسجد إن سلم الخطيب والمصلون من نتائج ضجره وتأففه من طول الخطبة .

لست إماما لمسجد ولا فقيها في الدين ، لكنها من الأمور اللافتة للإنتباه أن تصبح العبادة مجرد طقس اجتماعي يحمد ممارسها ، ولا تنعكس إيجابا على أخلاقه أو سلوكه وتصرفاته ، لتجد التاجر الذي باعك سلعة مغشوشة قد سبقك إلى المسجد ووقف في الصف الأول ، إلى جوار القصاب الذي يبيع اللحم المجمد بسعر البلدي بعد تطريته ، وهنالك أيضا الموظف المرتشي ، والمحامي والطبيب والمهندس والمعلم وغيرهم الكثير ممن لا يراعون في عملهم إلا ولا ذمة ، تجدهم السباقين إلى المسجد وكأنهم يخادعون الناس بانتحالهم صفة المصلين الطائعين ، متناسين أو غافلين عن أن هنالك من يرى ما يخفون في صدورهم ويسمع ما يوسس لهم به الشيطان من شرور أعمالهم وأنت تخالهم يقرأون الفاتحة .

لا أدري من يرحم الأبرياء في مجتمعنا ممن يقعون ضحية لهؤلاء إذ يطمئنون للتعامل مع من يعتقدون أنه صاحب الدين ، متوهمين على زي يرتديه أو لحية أطلقها ، ليستغل بذلك طيبة الناس ويمارس غشه وخداعه وجمع المال الحرام ، ولا أدري من يتصدى لتنفيذ العقوبة الدنيوية بحق من أساء للدين وللناس في إنتحاله لشخصية المسلم ؟ نحمد الله أنهم قلة بين المسلمين لكنهم أخطر ممن ينتحل شخصية رجل أمن ينال شديد العقاب عند اكتشافه .

مسألة أخرى لا بد من بحثها أيضا في هذا المجال عندما يقدم أحدهم مكانا لاستعماله كمصلى تخفيفا على المجاورين وطلبا للأجر من الله ، ألا يستدعي ذلك أخذ الأسباب والاحتياطات اللازمة للحفاظ على نظافة المكان ؟ أيجوز تركيب مكبرات الصوت وتركها تصدح معظم النهار بكلام غير مفهوم يزعج الجميع بعد أن وضع أحدهم جهازا للراديو بدأ بآي من الذكر الحكيم وانتهى بأغاني وبرامج منوعة لا علاقة لها بالدين ناهيك عن سوء ضبط تلك المكبرات وما يعلو بها من تشويش .
الراي.