التجزئة والمحاصصة في قانون الانتخابات
ياسر ابوهلاله
01-12-2009 03:26 AM
في ظل كساح القوى السياسية الأردنية النظيفة، والصمت المطبق من الحكومة حيال قانون الانتخابات الجديد، يُخشى أن يتنازع القانون المزمع قوى لا علاقة لها بالديمقراطية، بحيث يكون الجديد أسوأ من القديم، ويغدو إبقاء القانون بصورته الراهنة مطلبا وطنيا.
تتحرك قوى تتحكم فيها غرائزها وحسابات صغيرة أضيق من الدوائر الانتخابية الراهنة، فتجد من يخشى عشيرة أكبر من عشيرته فيمزق الدائرة الانتخابية حرصا على بقائه وبقاء أنجاله وأحفاده في موقع النيابة. وآخر يتحرك بأفق جغرافي أوسع على مستوى المحافظة أو الجهة، والغائب تماما هو الوطن، فيظل قانون الانتخابات أداة للتجزئة والتمزيق.
والأسوأ من تلك القوى المحلية تحرك "الدبلوماسيين الغربيين" الذين يتعامون عن حرب الإبادة في غزة والحصار الذي لم يتوقف حتى اللحظة، والاستيطان والجدار واللاجئين و.. ولا يرون إلا حقوق الأردنيين من أصل فلسطيني التي هضمها قانون الانتخاب!
يجهل أولئك أن قانون الانتخابات الأصيل الذي ضم ضفتي البلاد وقامت عليه دولة الوحدة وزع الدوائر بالتساوي غربا وشرقا. والمشكلة الوحيدة كانت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 وهو ما أفضى لاحقا إلى قرار فك الارتباط الذي تبرع بدوائر الضفة المحتلة للدولة الفلسطينية التي ما تزال إلى اليوم سلطة لا أرضها أرض وفق قانون البشر ولا سكانها سكان.
الدخول في شرك المحاصصة لا يخدم الأردن ولا يخدم فلسطين ويخدم إسرائيل فقط، بحيث تكرس صورة الفلسطينيين باعتبارهم فائضا بشريا يتوزع في دول الجوار، ويؤكد نظرية أن سبب تعثر الإصلاح السياسي هو القضية الفلسطينية. مع أن التجربة القريبة والبعيدة تثبت العكس.
في عام 1956 ترشح جورج حبش عن عمان وهو اللاجئ من اللد، وفي القدس فاز بأعلى الأصوات الفلاح الكركي يعقوب زيادين. وفي التجربة القريبة عام 1989 صوت مخيم البقعة لعبداللطيف عربيات وصوتت سحاب لحمزة منصور. لم يمثل هؤلاء عشائرهم ولا طوائفهم ولا أقاليمهم ولا حاراتهم . كانوا بحجم الوطن الكبير.
بقانون الصوت الواحد المجزأ لن تخرج بنواب وطن، ستنتظر أين وصل الدور العشائري وكم بلغ سعر الصوت في سوق الرشوة الانتخابية. أنت وحظك قد يسند الدور العشائري ابن عشيرة محترم وربما تقود القرعة إلى طامح بتحسين تقاعده. وفي مجمل الأحوال وبناء على التجربة المريرة لا يأتي التدخل الرسمي بخير، ويهبط عليك نواب لا تملك إذ تراهم غير التسليم بقضاء الله وقدره.
على القوى السياسية أن تبارح كساحها وتنطلق على قاعدة رفض الصوت المجزأ، فالقانون السيئ عارضه عام 1993 كل رؤساء الوزارات السابقين واللاحقين ( بدران وعبيدات والمصري والكباريتي والروابدة .. ) ولم يجد له نصيرا لا في الأعيان ولا في النواب، إلا أنه فرض بعد حل مجلسي النواب والأعيان. اليوم يمكن تشكيل جبهة معارضة له لا تسمح بإعادة تدويره، يمكن العودة لنظام القائمة على مستوى الدائرة وهو الأصل الدستوري، ويمكن اعتماد مبدأ الأصوات الثلاثة أو الاثنين حلا مرحليا وسطا.
إما نقلع إلى الأفق الوطني أو نرتكس في درك لم نبلغ قعره على قاعدتي التجزئة والمحاصصة، وساعتها سيجد مجلس النواب الراحل بواكي عليه بعدما رحل مذموما مدحورا.
الغد ..