البطالة الضائعة بین مفھوم التوظیف والتشغیل!
سامح المحاريق
10-11-2019 01:13 AM
يتردد الحديث عن نسبة البطالة كمؤشر اقتصادي غير صحي في الدول العربية، ومؤخراً أعلنت الحكومة الأردنية أن التشغيل يعتبر مختصر مشروع الحكومة، مع حديث مستفيض عن تصورات وخطوات ستتخذ لتخفيض نسبة البطالة، خاصة مع ما يشهده الأردن من اعتصامات طويلة المدى من قبل المتعطلين عن العمل، والصورة لا تختلف كثيراً في بقية الدول العربية باستثناء الإمارات والكويت وقطر.
البطالة مقياس اقتصادي مضلل للغاية، ولنبدأ بمفاجأة كبيرة تتعلق بالدولة الأدنى في نسبة البطالة بأقل من نصف بالمائة وهي كمبوديا، والسبب في انخفاض البطالة لديها لا يرتبط كله بمعدلات النمو الاقتصادي الكبيرة التي تحققها، ولكنه ينتج عن حقيقة أن عدم المشاركة بعمل مهما يكن صغيراً وضعيف الأجر ستلقي بالفرد في براثن الجوع، ولذلك فالجميع يعمل، ولكنها أعمال بائسة في المجمل، وفي نفس التصنيف للدول منخفضة البطالة تتواجد الهند وبنجلاديش وسريلانكا.
التشغيل شيء جيد، ولكنه لا يمكن أن يجري دون وجود بيئة اقتصادية تزيد من فرص العمل، أي بمعنى آخر تحقيق النمو، وأي تشغيل لمجرد التشغيل من شأنه أن يقدم حلولاً قصيرة الأجل، ولكنه سينقلب بآثار سلبية في النهاية، وعلى ذلك يتوجب على الحكومة أن تبدأ بإعادة النمو الاقتصادي إلى مستويات مرتفعة، ومن ثم العمل على تحويله إلى تنمية تتوزع آثارها على أكبر عدد من المواطنين، ومن هذه الحالة التنموية تظهر فرص التشغيل، أما التشغيل لمجرد التشغيل فإنه سيحرك الأسواق قليلاً، ولكنه لن ينتج نمواً بحد ذاته.
لا يمكن إلقاء اللوم على الحكومة بخصوص ما يتعلق بالتشغيل بشكل كامل، فالمعتصمون في مواقع مختلفة يطالبون بـ (وظائف)، والتوظيف أمر مختلف عن التشغيل، إذ أنه يحصر العلاقة بين العامل وصاحب العمل في صورة تعاقدية طويلة المدى، ولا يقدم حلولاً لقطاع الاقتصاد غير الرسمي الذي يضم أصحاب المهن المختلفة والذين تظهر أمامهم فرص واسعة بعد الإجراءات الموجهة للحد من جاذبية الأردن للعمالة الوافدة في هذه القطاعات، بما يعني أن المطلوب اليوم هو الاتفاق قبل أي شيء على تعريف التشغيل الذي تستطيع الحكومة أن تقدمه من خلال أدواتها، وفي مقدمتها التدريب والتأهيل المهني وإخلاء الفرص المتوفرة للعمالة الأردنية، دون أن تمضي في مزيد من الدور في التوسع في التوظيف الذي يدفع ثمنه الاقتصاد ككل ويزيد من تكلفة أداء دور الحكومة ويرحله من جديد على المواطنين.
لا يجب الوقوع في رعب نسبة البطالة عند التخطيط الاقتصادي في المدى البعيد، خاصة أن البطالة في طريقة قياسها على مستوى الأردن مرتبطة بمفهوم التوظيف الذي يجب تجاوزه نحو التشغيل، والخلط بين المفهومين يؤدي إلى كثير من الإشكاليات ولم توضح الحكومة بطريقة واضحة أين يبدأ دورها بخصوص محاربة البطالة وأين ينتهي؟
(الرأي)