في ظلال ذكرى مولد أشرف الخلق سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، يكتب الكثيرون حول العالم الإسلامي عن عظمة الذكرى في إنتشال مئات الملايين من العرب والعجم عبر العالم من ظلام الجهل والضياع والكفر ، إلى نور الهداية والإيمان ، لنتحدث اليوم عن مليار ونصف المليار مسلم في شتى أصقاع المعمورة .
وبهذه المناسبة الاعظم التي لا تتقدم عليها مناسبة ، آثرت أن أستحضر السورة المكية الكريمة التي يخاطب الله جل جلاله فيها رسوله صلوات الله وسلامه عليه ، بعد فترة زمنية فتر فيها الوحي ، ليبدأ كفار مكة في حينه بالتندر قائلين ما معناه ، إن رب محمد قلاه ، أي تخلى عنه ، والعياذ بالله .
هي سورة معبرة جدا تحمل في كل كلمة وكل حرف منها ، أعظم العبر والدروس ليس لزماننا هذا وحسب ، بل ولكل زمان وحتى قيام الساعة لمن في وجدانه حيّز لإعتبار وتعلم وتفكر .
يقسم الله الذي لا إله إلا هو سبحانه ، بالضحى والليل إذا سجى ، قائلا لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن لا فراق يا محمد ، وبأن الحياة الآخرة الخالدة خير لك من هذه الدنيا الفانية الغرور ، ويذكر رسوله الكريم بقوله جل جلاله : ألم يجدك الله يتيما فآواك ، وضاغطا فهداك ، وعائلا فأغناك . ثم يأتي التوجيه الرباني العظيم لرسوله العظيم ، فأما اليتيم فلا تقهر ، وأما السائل فلا تنهر ، وأما بنعمة ربك فحدث .
سبحان الله ما أعظم شأنه جل جلاله ، وهو شأن يستحيل على كل عقل بشري تخيل مدى عظمته ، فهو شأن فوق مستوى قدرات كل العقول على التخيل والتصور وحتى التوقع ، وسبحان الله جل في علاه ، إذ يقدم درسا ربانيا بليغا عظيما لنا نحن البشر ، مضمونه أن الدنيا وبرغم ما أوجد فيها من من مكنون عظمة خلقه ، لا تساوي شيئا يذكر قياسا بالدار الآخرة ، وانه سبحانه هو الراعي لعباده أيتاما وغير أيتام ، وهو الهادي لمن خلق بعد تيه وضلال ، وهو العائل لخلقه كافة ، وهو وحده الجدير بأن يحمد ويشكر على كريم نعمائه وعظيم فضله على سائر عباده ومخلوقاته .
صلى الله عليك وسلم تسليما كثيرا يا سيدنا ونبينا المصطفى ، فنحن في ظلال ذكرى مولدك العظيمة ، نتوجه إلى الله خاشعين مبتهلين متضرعين سائلينه سبحانه وتعالى ، أن يهدينا سواء السبيل ، وأن يغفر لنا ذنوبنا ومعاصينا ، وأن يطهر قلوبنا من كل دنس وغل وحقد وضغينة وطمع وجشع وفساد وتكالب على الدنيا وزينتها ، وأن يجعلنا من عباده الصالحين المحسنين الذين يحظون برضاه جل جلاه ، وهل يضيرنا بعد ذلك أن يرضى عنا ومنا عبد مهما علا شأنه في هذه الدنيا التي لا تعدل عنده سبحانه جناح بعوضة ! ، أختم بالصلاة والسلام على محمد الرحمة المهداة للبشرية كلها في كل زمان ومكان ، والله من وراء قصدي .