أيام قليلة وينتهي العمل بملاحق الغمر والباقورة رغم ما تقوله بعض التسريبات الإسرائيلية. لا شيء سيوقف القرار الأردني، الذي ما كان ليصدر عن جلالة الملك ذاته لولا أنه قرار نهائي قطعي لا رجعة عنه. بحسب نصوص معاهدة السلام، فإن أي خلاف حول بنودها يحسم بالتفاوض بين الطرفين، أو بالتحكيم المتوافق عليه، وبنود الملاحق تشير للجنة مشتركة لتطبيق بنودها، لذا فالأمر من زاوية قانونية محسوم لجهة الحق القانوني الواضح والخالص وغير الخلافي للاردن بإنهاء العمل بالملاحق.
بارتياح وطني عارم قوبل قرار جلالة الملك عدم الاستمرار العمل بملحقي الغمر والباقورة، والتوجيه للجهات المعنية بإبلاغ إسرائيل بحسب نصوص الملاحق بإنهاء فترة “السماح باستخدام أراضي” المنطقتين الأردنيتين. الأردنيون رأوا في القرار حزما ملكيا في مواجهة سلوك الحكومة اليمينية الإسرائيلية، التي ما انفكت تحاول العبث بالمصالح الأردنية على المستوى الثنائي، وتلك المرتبطة بالأوضاع النهائية في ملف التسوية السلمية. جاء القرار مفاجئا على الصعيد الدولي، فالانطباع الذي استمرت حكومة نتنياهو بتأكيده أن الأمور بين الأردن وإسرائيل تسير ضمن الاطر التعاونية المقبولة، وأن الخلافات بين البلدين لا تمس جوهر العلاقات العميق.
خبراء التقييم السياسي القريبين من اليمين الإسرائيلي ذهبوا للقول أن الأردن اتخذ قراره لأسباب داخلية، نتيجة الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي صاعدت من التوتر الداخلي وزادت فجوة الثقة مع القرار الرسمي، فكان الأردن بحاجة لنجاح خارجي يعطي بعض الرضا عن أداء السلطات الرسمية ويرفع منسوب المعنويات الوطنية. مراقبون آخرون أكثر موضوعية قيّموا القرار الأردني أنه نتيجة طبيعية لسنوات من تردي العلاقة مع حكومة نتنياهو التي أطاحت بالثقة المتبادلة، وبددت بإصرار أجواء السلام، وتلاعبت بإستخفاف بمصالح شركاء السلام الأردنيين والفلسطينيين. يتساءل هؤلاء: هل كان الأردن ليجدد العمل بملحقي الغمر والباقورة لو كانت العلاقات مع إسرائيل أفضل؟ أو لو كان هناك حكومة إسرائيلية أكثر حرصا على العلاقات الثنائية وأقل استفزازا للأردن؟ أسئلة وجيهة مشروعة تكاد الاجابة عليها شبه مستحيلة، فأجواء السلام والايجابية التي سادت إبان توقيع اتفاقية وادي عربة وملحقي الغمر والباقورة، تختلف جذريا عن تلك الأجواء السائدة الآن، ومنسوب الثقة السياسية المتبادل يراوح في حدود سالبة لا تسمح لنقاش مشترك حول هذه الملفات السيادية الحساسة.
عديد من ملفات التعاون الثنائي بين الأردن إسرائيل يمكن العمل عليها اذا ما أرادت الحكومة الإسرائيلية القادمة تعزيز العلاقات واستعادة الثقة، واذا ما أيقنت أن للإردن مصالح حيوية واستراتيجية لن يصمت وهو يراها توظف في لعبة الانتخاب والشعبويات الإسرائيلية التي لا تنتهي. يستطيع البلدان، إذا ما توافرت الشجاعة لدى الحكومة الإسرائيلية القادمة وادركت حتمية إعطاء الفلسطينيين حقوقهم وإعادة العدالة المسلوبة منهم، أن يحققا الأمن والاستقرار، بل وينطلقا لافق رحب من الازدهار والنمو.
(الغد)