تكنولوجيا السلوك والإقناع
ابراهيم غرايبة
08-11-2019 01:08 AM
تتداخل في تطبيقات الشبكة اليوم تقنيات الإقناع ومجاملة الغرائز والاتجاهات النفسية مع تصميم السلوك ودفع المستهلك إلى عادات جديدة، وفي التطورات التقنية مثل الدفع عن طريق الشبكة والخدمات الممكن تقديمها أيضاً من خلالها يمكن أن يكون نادي القمار في الموبايل، وتتحول أيضاً حاجات الاتصال والتواصل إلى سوق استهلاكية واسعة بلا حدود، المهم كيف تظل مشدوداً الى الشبكة والموبايل، فتتحول الرغبة في التواصل إلى سلسلة من العمليات التفاعلية والتطبيقية الأخرى المنفصلة عن التواصل نفسه.
السلوك الأساسي الذي تقوم عليه التطبيقات والاستثمارات الشبكية بتريليونات الدولارات هو العلاقة الحميمية مع الموبايل وارتباط الشخص به، ومواصلة النظر فيه أكبر مدة ممكنة والعودة إليه دائما بالتنبيهات والتذكير المستمر من الشبكة والتطبيقات، وكلما زادت تكرارات النظر في الموبايل تتسع الأسواق وفرص البيع، ولذلك تتهافت عليك خدمات وتطبيقات بلا حدود تدور حول الإشارات والتنبيهات في الموبايل لأجل أن تظل تنظر إليه.
وبالمكافأة والتعزيز الذي لاحظه علماء النفس طورت شركات الاتصالات مجالات ومعاني جديدة كثيرة في المكافأة والتعزيز أكثر وأبعد من الشعور بالأهمية والتميز الناشئ عن الترحيب والابتسامة التي تستمر ست ثوان مع كأس من الشمبانيا تجعلك تختار الدرجة الأولى وتدفع ضعف ثمن التذكرة في الدرجة السياحية، أو الوجبة المجانية في نوادي القمار، إذ يمكنك اليوم وبسهولة الحصول على قدر كبير من الإعجابات والتعليقات في فيسبوك وتويتر وإنستغرام، وما عليك سوى أن تواصل صور السيلفي أو تشارك في لحظات الغروب والشروق ووجبات الطعام. بل يمكنك أيضاً الحصول على عدد متزايد من المتابعين والمعلقين على صفحتك الشخصية، هو تزايد مرتبط بما تدفعه إلكترونياً من بطاقتك الائتمانية، هذا المبلغ الصغير الذي تدفعه يكون في تواصله مثل نزف بطيء، لتجد أنك دفعت الكثير وأنت مسرور ومتميز السرور والتميز نفسه الذي حصل عليه مسافرو الدرجة الأولى والنجوم والسياسيون الكبار.
يبدو واضحاً وأمراً واقعاً اليوم أن منتجات علوم اللغة وعلم النفس تتحول إلى برامج حاسوبية وتطبيقات تجارية في الشبكة والأجهزة المرتبطة بها وبخاصة الموبايل تؤثر في خيارات واتجاهات المستهلكين والناخبين، وحين يمكن تشفير العواطف والذاكرة والتداعيات والاتجاهات والميول السلوكية والنفسية، فإن الأعمال والأسواق كما المهن والمؤسسات تمضي إلى مرحلة مختلفة عما ألفناها، وقد يكون غير واضح لنا اليوم إلا جزء يسير من هذا المستقبل المقبل لا محالة. ويكفي أن نتذكر أن عالمنا القائم كان يبدو خيالاً منقطعاً في امتداده وتطوره عن الماضي القريب قبل الثورة الصناعية.
هكذا تقوم استثمارات واسعة على منظومة من الأفكار والمشاعر والغرائز الإنسانية، مثل الشعور بالتميز، والخوف والميل الى التواصل الاجتماعي والتعزيز والمكافأة، هكذا نشأت أعمال التأمين والقمار واليانصيب والإعلام والتسلية والترفيه والتاكسي المميز والسفر على الدرجة الأولى، ولكن الشبكة تمضي في ذلك أبعد بكثير من قبل، فالشبكة تتيح لك أن تحصل على خدمة التاكسي في سرعة وأينما كنت وبأسلوب مهيب يليق باللوردات، وعندما أتاحت الأقمار الاصطناعية أن تلتقط المحطات التلفزيونية من أي مكان وفي أي وقت لم تعد ملزماً أن تنام مبكراً لأن محطة بلدك المملة أصلاً تنهي بثها في ساعة محددة ومبكرة من الليل، ولكن تشكلت مصلحة تجارية لتظل ساهراً، ففي الوقت الذي تمضيه أمام الشاشات يمكن أن تتدفق إعلانات تجارية كثيرة تجد مجالاً في سعة الوقت وتعدد المحطات أن تتسع هي أيضاً، وفي الحاجة إلى الإعلان والتسويق تتشكل أيضاً مصلحة لتغيير سلوكك ومزاجك، فيمكن في سلسلة الأخبار والحروب والعنف والدماء أن تتقبل إن لم يكن مسلياً دعايات تجارية مقرفة أو ثقيلة الظل، … مزيل الشعر والحفاظات على سبيل المثال!
(الغد)