ثمة تصوران لمعنى «الحياة» في القرآن الكريم، احدهما يقتصر الحياة على الدنيا فقط «وقالوا ما هي الا حياتنا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر». وقد نتج عن هذا التصور القاصر اندفاع الناس الى الدنيا وشهواتها، والحرص على ما فيها من لذات ومتاع، اما التصور الآخر فقد ادرك ان معنى الحياة أبعد من ذلك بكثير، فالحياة الدنيا محطة وممر، وهي امتحان للعمل، ومصيرها الفناء، فيما «الآخرة» هي الباقية، وفيما الاحياء الحقيقيون هم المؤمنون (أوَمن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات).
في القرآن الكريم ورد تعبير (الحياة الدنيا) في ثمان وستين آية، ولم يرد تعبير (الحياة الآخرة) أبداً، مع أن القرآن يجعل كلمة الدنيا مقابلة لـ(الآخيرة) ثم يلاحظ ايضاً ان تعبير (الدار الآخرة) ورد في تسع آيات ولم يرد تعبير (الدار الدنيا) ابداً.
دلالة ذلك، كما يرى البعض، ان الحياة تعني النمو والدوام والحركة، تدوم لفترة ثم تنتهي بالموت، فالحياة هنا تقابل الموت، اما (الدار) التي تتصف بها الاخرة فمعناها في اللغة: المنزل والسكن، وهي تدل على الاستقرار والثبات والبقاء، وعليه وصفت الدنيا (بالحياة) لأنها مؤقتة وزائلة و(الآخرة) بالدار لانها باقية وخالدة.
وقد ارتبطت الحياة الطيبة دائما بالايمان «من عمل صالحا من ذكر او انثى فلتخيبنه حياة طيبة» كما ارتبط الايمان بالحياة (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم)، ومعنى ذلك ان لا حياة بدون ايمان، ولا سعادة بدون ارتباط بالخالق عز وجل، ولو احس غير المؤمن بذلك فهو مجرد وهم او أمر طارئ، يمتحن به الله عباده للامتنان عليهم او بفعل رحمته التي وسعت كل شيء، أما دنيا المؤمن حتى وان كان في ابتلاء، فطيبه دائماً، ومليئة بالطمأنينة والسكينة و»الحياة».
باختصار، يدعونا القرآن الكريم الى «الحياة» التي هي ضد الموت، الحياة المنتجة الفاعلة، الحياة التي تفضي الى الكرامة (الشهادة حياة والقصاص حياة) الحياة التي تخرج من رحم الايمان والعمل الصالح، الحياة النافعة، كما يدعونا الى ان نحيا في ظلال آياته التي تهدي الى الحق، والى الحياة الحقيقية التي يعيش فيها احياء حقيقيون، لا مجرد اموات في ثياب احياء.
(الدستور)