في ذلك الحي القروي المدني المغبون في شرق العاصمة، وبجانب متجر تصليح صوبات (البواري) سكنَ ذاك الوزير الصغير مع عائلتهِ الكبيرة المكونة من ١١ فرداً مكوّمين في غرفتين، ويتناولون نفس الطعام ويرتدون نفس الثياب.
(راح الوزير وإجى الوزير) هكذا كانوا ينادونه عندما كان طفلا مليئاً بكل فتاتِ الأمل، وأبوه كان يميّزه بين إخوته لأنه كان (بعرف انجليزي) ويقدر أن يَعُد للمئة بالانجليزية.
كبُرَ الطفلُ وترعرع على كل خيبات الأمل، وشرب من كأس اليأس ما شرب حتى ملَّ أن يكون موجودا في دفتر عائلة الضعفاء والمساكين، وتجرع معظمَ الخوفِ في الدنيا لأنه استنزف ما يملك والده من نقودٍ لكي يعلِّمه ويدخِلهُ الجامعة.
فتخرج المسكينُ وعمل موظفا في مؤسسة حلم أن تكون سُلَّمهُ كي يصعد ويتدرج ويكون وزيرا ويحقق كل أحلام عائلته التي كانت تقتات على فتات بقايا تقاعد الوالد ومُرتبِ الوزير المستقبلي الضئيل.
ومرت السنوات عليه عجافا لكي يصل لمستوىً رفيعٍ في مؤسسته وما لبث أن أصبح مديرها، وتوالت الأيام وانقشع كل غمام الدنيا من أمام أحلامه ليرشح اسمُهُ ليكون وزيرا...
وأصبح المسكين وزيرا لإحدى الوزارات، ففرحت قلوب العائلة وابتهجت الأم فرحا وانتصب الأب فخرا بابنه الذي أصبح وزيرا، وما ان جلس الوزير على كرسيّه حتى تذكر كلَ المشكلات التي واجهها في حياته، وتوالت عليه الطلبات من العائلة، وعرف انه لن يستطيع ان يلبيها كلها ولا ان يحل المشكلات التي يعرفها، فندم على ان الحلم تحقق... وتمنى لو أن والده ما زال يحلم وينتظر بفارغ الصبر ويعيش على الامل ان يكون ابنه وزيرا على انه الان وزيرا .. فالاحلام والامنيات والامال إن تحققت خسرناها.
وما العيش من دون أحلام وامال وامنيات؟ وما معنى ان تكون وزيرا في هذا الوقت من الحياة؟ فاستقال الوزير وعاش مسكينا حالما على ان يكون وزيرا!