يبدو أن منهج الإقصاء والإلغاء لهذا الطرف أو ذاك من أطياف الشعب العراقي، بقي لفترة طويلة يمثل السياسة العامة والطريق السائدة والسالكة للقائمين على الشأن العراقي، بدءا من القوة الأمريكية الآمرة الناهية، مرورا بالميليشيات المسيطرة على الشارع العراقي والتي جاءت على أبراج دبابات الاحتلال والقوى الغازية، وانتهاء ببعض الجيران من أصحاب الأطماع التوسعية والهادفة إلى استئصال العراق من جسد أمته العربية وإلحاقه بالمخططات التي تستهدف وجود امتنا من البصرة إلى مليليه.
إلا ان الولايات المتحدة أدركت أخيرا، ولو بشكل متأخر، بان العراق لا يقبل القسمة على اكثر من واحد، وان النزعات الرغائبية والباطنية لإيران لن تأتي على العراق إلا بمزيد من الفرز الطائفي والعرقي والأيديولوجي، الذي قطعا سيؤدي إلى مزيد من الدماء، وفي غير صالح كل من الولايات المتحدة والعراق .
لقد تأذى العراق كثيرا مما يسمى بالعملية السياسية والديمقراطية التي رافقت الإحتلال ومورست بصورة، بعيدة عن النزاهة والعدالة والمعايير الدولية التي تحكم هكذا استحقاق، والتي جاءت انعكاسا لواقع الاحتلال والقوى المتحالفة معه. الأمر الذي يبدو انه دفع بالولايات المتحدة، وبعد فشلها العسكري، بالبحث عن مخرج آخر للخروج من المستنقع العراقي بشيء من ماء الوجه ، خاصة بعد توجه الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة الديمقراطيين.
ونتيجة للفرز الطائفي الذي أتت به الحكومات، الذي يتناقض مع متطلبات الأمن والاستقرار والسلم، عراقيا وإقليما ودوليا، فقد بدأت الولايات المتحدة حوارها مع المجلس الموحد للمقاومة العراقية قبل عدة شهور في أنقرة وبرعاية تركية، كما أشارت إلى ذلك وكالات الأنباء. إلا ان الملفت للإنتباه هو حوارها الجاد مع كوادر وقادة حزب البعث العربي الإشتراكي، خاصة بعد تحالف إياد علاوي مع صالح المطلق، هذا التحالف الذي لاقى إستحسانا من معظم القوى الوطنية والقومية والإسلامية العراقية، مما يشير إلى ان التوجهات الطائفية قد تواجه إنتكاسة في الإنتخابات القادمة.
من واجب الولايات المتحدة، دولة القانون والعدالة والحرية، سماع صوت العراقيين، ومساعدتهم في الخروج من بوتقة الظلم والأذى الذي لحق بهم، قبل فوات الأوان . لأن الصرخة لم تعد تقتصر على السنة العرب، وانما مثلت كل أطياف الشعب العراقي ، من عرب سنة وعرب شيعة وتركمان وإسلاميين وعلمانيين، بل يشارك فيها كل من يؤمن بعراق ديمقراطي ، آمن ومتسامح، يحترم حقوق الإنسان، ويؤمن بدوره الإيجابي في الاستقرار الإقليمي والدولي ذلك لأن الولايات المتحدة معنية في الإستماع إلى مطالب القوى الوطنية والقومية والإسلامية في العراق، والقاضية بضرورة تشكيل حكومة إنقاذ وطني، تمثل العراق بأطيافه المختلفة ومكوناته الأساسية.
كما إن العرب، معنيون بالعمل على إقناع الولايات المتحدة، بوجوب إعادة النظر في سياساتها الكارثية في العراق، والتي بجرة قلم الغت وجوده كدولة . وتشجيع حوارها مع القوى الوطنية والقومية والإسلامية في العراق، من أجل إنقاذ العراق من براثن عبث الطائفية والشعوبية، لان العراق القومي المعافى البعيد عن الطائفية والاستقطاب هو صمام آمان للنظام الإقليمي العربي .
alrfouh@hotmail.com
الرأي