ثمّة فارق كبير بين التعقيد الإداري والتنظيم الإداري، فالأوّل يمثل سمةً للمؤسسات في الدول المتعثّرة، بينما الثاني هو سمة للدول المتقدّمة لأنّ التنظيم يساعدها على بلوغ أهدافها بسهولة ووضوح.
أما التعقيد الإداري في المجتمعات المتعثّرة فله أسبابٌ عدّة، منها التردّد في اتخاذ القرار المناسب بسبب الجهل بالقوانين النافذة في المؤسسة، ومنها الكسل والخمول وعدم الرغبة في القيام بالعمل، ومنها الضغط على المواطنين المراجعين لدفعهم إلى دفع رشوات للموظف الفاسد، ومنها تعطيل مصلحة شخص أو أكثر عن قصد أو تسهيل مصالح شخص آخر نتيجة المحاباة والتحيّز وتبادل المصالح الشخصية. ومتى وجدت مثل هذه الظواهر في مؤسسة من المؤسسات أو في مجتمع من المجتمعات فإنّها تترك آثاراً سلبيّة كثيرة على تقدّم المجتمع ونجاح مشاريع التنمية فيه، ذلك أنّ الموظّف الخامل أو الذي يجهل القوانين أو الذي يسعى للمحافظة على مصالحه الخاصّة وامتيازاته المتحقّقة من خلال تعطيل مصالح المواطنين، لا يمكن له أن يرضى بمشاريع جديدة أو رؤى إصلاحية جديدة في مؤسسته، وسوف يعمل على مقاومة أي جديد أو أي تطوير ورفضه رفضاً قاطعاً وإقناع المسؤولين الذي يتعاقبون على مؤسسته بضرورة المحافظة على الوضع القائم. ومن جهة المواطنين أو المراجعين الذين يحتاجون للتعامل مع مثل هذه المؤسسّات فإنّ توقّع ما سوف يعانونه من تعقيد وتعطيل وإعاقة ومماطلة وتأجيل في إنجاز معاملاتهم يضطرهم إلى أحد أمرين: إمّا البحث عن وسيلة أخرى مشروعة أو غير مشروعة لإنجاز معاملاتهم أو التهرّب من استحقاقاتها كاللجوء إلى الواسطة أو دفع الرشوة، وإمّا الامتناع أساساً عن المغامرة في إنشاء أي مشروع أو أي مصلحة تتطلب مراجعة هذه المؤسسّات تجنّباً لما يطلق عليه الناس (المرمطة أو الشحططة).
ومها كانت السبل التي يلجأ إليها المواطن لتجنب التعقيدات والممارسات التي يمارسها الموظفون في هذه المؤسّسات، فإنّها كلّها تلحق الضرر الكبير في المجتمع وتعيق تنميته وتطويره، فضلاً عن أنّ السمعة السيئة التي يتناقلها المواطنون والمستثمرون لهذه المؤسّسات هي سمعة طاردةٌ للاستثمار ومضّرة بالاقتصاد الوطني.
إنّ الاعتراض على التعقيدات الإدارية غير المسوّغة ليس اعتراضاً على تطبيق القوانين والإجراءات السليمة، بل هو اعتراضٌ على ما لا ضرورة له من الإجراءات العقيمة، ودعوة إلى تنظيم الإجراءات بشكل واضح وشفّافٍ يضمن تحقيق مصالح المواطنين وحقوقهم ومصالح المجتمع بسهولة ويسر وشفافية ووضوح وقابليّة للمساءلة. ولا بدّ إلى جانب ذلك من تأهيل الموظفين بكلّ ما تتطلبه الوظيفة التي يمارسونها من قوانين وأنظمة وتشريعات وشروط وغير ذلك.
وبذلك يمكن أن تصبح المؤسسات الوطنية وإجراءاتها الإدارية رافعة من روافع تطوّر المجتمع ومحرّكاً من محرّكات التنمية في مختلف المجالات والميادين.
الرأي