يُطهى التعديل الرابع للحكومة على نار خامدة، بل ويحاط بترتيبات غامضة تضفي عليه غلاف الكتمان وتشعل في الناس أسئلة الإثارة، ولكأن مخرجاته ستكون طوق النجاة للمشكلات، ولكأن الإفصاح عنه ومحاورة الناس، البرلمان على الأقل، سيفسد الخطط ويحبط البرامج ويعيق التقدم.
في نظرة دقيقة نحو إبراء السياسة الأردنية من علل الشخصنة وتقييد الفكرة وحصار العقل الذي يمارس في كل تشكيل وتعديل، ينبغي الاعتراف أولاً أن منظومة العمل السياسي المتعلقة بنهج اختيار الوزراء، قد تغيّرت تماما لصالح التكنوقراط.
كيف كان ذلك؟ لقد اتسمت خطوات تشكيل الحكومات في عهودها السابقة باعتمادها اختيار وزراء لهم أدوات تواصل عميقة مع الشارع، فكانت العشائر منجما خصبا للوزراء ولم يكن صعبا على الرئيس المكلف انتقاء حملة الشهادات ووجهاء العشائر والصف الأول فيها، كوزراء، وبقي هذا النهج يحوز على رضا الناس وبقي الأداء مقنعا نوعا ما، حتى دخل نهج التشكيل المغاير وفرض وجوده بقوة، ليتسم التشكيل بوجود وزراء من فصيل التكنوقراط، متخصصين في شؤون وزاراتهم ولهم باع في المعرفة التكنولوجية، بعيداً عن انتماءاتهم الحزبية أو العشائرية ودون حساب علاقاتهم وتأثيرهم في المجتمع وفي الشارع.
اين تكمن المشكلة هنا؟ إنها في حاجة الدولة الأردنية، بوصف تفصيلاتها الديمغرافية الشائكة، إلى وزراء متخصصين غير أن لهم علاقة مباشرة وتأثير هام في المجتمع في الوقت نفسه، وهذا هو الصعب بعينه.
كيف يكون ذلك سهلا؟ في تسهيل انطلاق الأحزاب ومنحها فرصاً حقيقية للتجذر في الشارع ولانتخاب لجان داخلية متخصصة فيها، تنتج لنا هذا النوع من الوزراء دون ادنى محسوبية.
في المراحل الاولى، لن تكون الأحزاب بديلا عن العشائرية كوحدة اجتماعية استقر الإيمان بها كمكوّن ثقافي واجتماعي بل وسياسي.
إن لها – الأحزاب – دوراً مهما في الارتقاء بالمفهوم الديمقراطي إلى مستوى مغاير، يتمثل في إنتاج حكومات تكنوقراط ذات صبغة شعبية وذات قبول في الشارع يؤمن لها غطاء يمكّنها من تنفيذ برامجها الاقتصادية والسياسية، بعيداً عن الإبداع الفردي الذي لا يجد في الغالب قوة الفريق المنسجم لتنفيذه ولإطلاق يده في وضع حلول ناجعة يؤيدها الشارع.
غير هذا النهج، سنبقى تائهين نبحث عن مزيج مدهش مستحيل يجمع بين حكومة تكنوقراط ذات اتصال مقنع بالناس، وسنبقى مثل من حاول تقليد مشية غيره فنسي مشيته.
في منتصف هذا الواقع المؤلم، مؤكد أنه لا أحد يهتم بالقادمين ولا بالمغادرين، وأعتقد جازما، أنه لم يعد أحد يُعير اهتماما لتغليف التشكيل والتعديل بالسرية والإثارة، وأنه ينبغي الخروج من هذا النهج المستهلك فورا، ولن يضير رئيس الوزراء ولا الحكومة، تقديم جردة حساب ذاتية للوزراء تفصّل للناس أسباب الإخفاق التي استدعت خروجاً وأسباب التميز التي استدعت تثبيتا.
أّما الإمعان في اتباع نهج استقطاب التكنوقراط الصرف البعيد عن علاقة متصالحة مع الناس، فسيعمّق العزلة التي تزيد يوما فيوم، بين الشارع وبين الحكومات.