تجاربُ الماضي مصباحُ الحاضرِ والمستقبلِ ..
أ. د. صلحي الشحاتيت
05-11-2019 08:42 AM
تشرفت واستمتعت الأسبوع الماضي، بلقاء زميل عزيز على قلبي، قامة وطنية بأخلاقه وحنكته، وأعدّهُ دوماً من الأشخاص الذين أقتدي بهم وأستنيرُ برأيهم وخبرتهم في مختلف نواحي الحياة، كان الحديث معه رائعا ومشوقا يطوي بين صفحاتهِ معانٍ عديدة وعميقة، اكتشفتُ بعدها أنني بحاجة لمراجعة الكثير من الملفات المعلقة منذ الزمن البعيد؛ والتي حان الوقت لفتحها من جديد كي تعكس نظرتي وطريقة تعاملي معها إضافة أنها تحتاج لشجاعة فائقة للخوض بها من جديد.
كلّ منّا يمتلك في داخله تجارب الماضي، بما فيها أيام الطفولة ومواقف الحياة المختلفة سواء أكانت جميلة أو مؤلمة؛ والتي تعكس نواحي كثيرة على حياتنا المستقبلية، واليوم كثيرا ما نسمع أنه يقال "فلان صاحب تجربة في الحياة"؛ نتيجة تعرّضه للعديد من التجارب في حياته والتي من الممكن أن تكون قاسية مريرة فجعلته يمرّ بأزمات كثيرة، وحين كان يتعرض لهذه الأزمات كان يقال له: "هذا قدرك وكفى" دون النظر إلى الماهيّة التي يجب أن يتعامل بها مع تلك الأزمات وكيف يوظفها في المواقف لدعم خبراته في الحياة، ولكن بعد باع طويل له في الحياة وتجاوز هذه المرحلة، يصبح مؤهلا بأن يكون "صاحب تجربة في الحياة"، وبالتالي فإنّ تلك الأزمات قد منحته الخبرة الكافية للتعامل مع غيرها من أزمات ومواقف جديدة، وجميعنا معرّضون للخطأ والمرور في تجارب ومواقف وأحداث سيئة، لكن الفيصل هنا مدى إدراكنا وفهمنا للخطأ، ومدى قدرتنا على تحويل أخطاء وتجارب الماضي إلى خبرات تساعدنا في تنمية وتطوير الحاضر والمستقبل.
والسؤال الذي يطرح نفسه؛ هل يجب ان تكون تجارب الماضي معيقاً لنا للاستمتاع بحاضر جميل ومشرق يتمناه الكثير من حولنا ومستقبل واعد جميل مليء بالتفاؤل؟ لا شكّ أن خير معين لنا لنفهم ونستوعب المستقبل بأبعاده ومعالمه، والعمل بالحاضر بمختلف جوانبه، هو استيعاب دروس الماضي واستثمارها من أجل ذلك، ويجب أن لا ننسى أنّ أخطر لص يسرق منّا المتعة في الحاضر وبناء المستقبل؛ هو الخوف من تجارب الماضي، فتجعلنا لا نثق في قوتنا ومواجهتها للأزمات وهذا يقودنا للخوف من المجهول في المستقبل، وكل ذاك الخوف سيؤثر سلباً علينا، لذا علينا التعلم من تجارب الماضي لتكون مصدر قوة ومرونة نفسية ينعكس على الحاضر والمستقبل المعلوم وليس المجهول.
ملخص القول: ثلاثة أشياء يجب أن لا نجعلها تتحكم بنا "الناس، المال، وتجارب الماضي"، بالإضافة إلى حسن الظن بالله والتوكل الدائم عليه؛ هو أهم ما يجعلنا مؤهلين لنكون أصحاب تجربة صادقة في الحياة.