لمّا نقيّم أداء مسيرة حكومة الرزاز عبر ما يزيدُ على السّنة، وأقول سنةً وليسَ عامًا قاصِدًا لِما لها من دلالات عند المتلقي المتخصّص، نجد أنفُسَنا أمامَ وضع مؤلم وَمُزْرٍ ذي علاقة بأهمّ وزارتين، هما: التعليم العالي والتربية والتعليم، وهذا يقودنا الى طرح جُملة من التساؤلات، أوّلها: ما الذي دعا الرّزاز إلى دمج الوزارتين؟ وفي هذا السياق أعتقد بدايةً أنه قرار ارتجاليٌّ غيرُ مدروس نابعٌ من شخصيّة ظنّت أنّ لها حقًّا مُكْتَسَبًا في جَعْلِ الآخرين حقلَ تجارِبَ لها، معَ ما في مثل هذا القرار غيرِ المسؤول من سلبيات كثيرة أقَلُّها إرهاق كاهل الوزير المسؤول وتشتيتت جهده، وثانيها: فَلِمَ لم يُكَلَّفُ أحدُ الوزراء الذين لا يحملون حقيبة وزاريّة حكومة الرزاز تولي إحدى الحقيبتين اللتين دُمِجَتا معًا؟ أمّا ثالثها: فما دورُ المستشارين القابعين في أروقة رئاسة الوزاراء في مسألة دمج تلكُما الوزارتين سالِفَتي الذِّكر؟ هل أُخذ برأيهم أم هُمِّشوا؟ وأمّا رابعها: فهل يُعَدُّ سُحِبَ أمين عام وزارة التربية من غير علم وزيرها أمرًا صحيًّا أم استبدادًا مارسَهُ الرّزاز وقرارًا تفرّد به دون غيره؟ وَخُلاصَةُ القول: أين النهضةُ ودولةُ المؤسسات في كلّ ما سبق؟
واذا عُدْتُ إلى شخص المعاني؛ القامةِ العلميّة، المعروفِ في المحافل والمؤسسات الأردنيّة والعربيّة والعالميّة بمسيرته أكاديميّة وقياديّة حافلة، وهو الذي يمتلكُ مصداقيّة لدى المؤسسات الدوليّة.
وهل الأستاذ الدكتور طبيبُ الأعصاب بكل ما يملك من معرفة متعدّدة ومهارات مختلفة وخبرات متنوّعة وتجاربَ ثَرِيّة في إدارة مفاصل الدولة، وهو صاحبُ الباع الطويل في ذلك، يُوْسَمُ بضعفِ الأداء في حكومة الرّزاز، ممّا يضطرّهُ إلى تقديم استقالته؟ أم أنّ هناك سياسة مُتَّبَعَةً من الرّزاز نفسِهِ قائمةٌ على المنهج الخفيّ الذي يتقنُهُ، وهو تعيين القامات الوطنيّة ومن ثَمَّ ممارسة أساليب عفا عليها الزمن من أقصاء وتهميش وتحديد صلاحيلات والتفاف وسحب البساط من تحت أقدام وزرائه لحرقهم وأظهارهم في صورة ضعيفة أمام المتلقي بكلّ أصنافه؟ أم أنّ الرّزاز عنده عقدةٌ نفسيّة خفيّة متراكمة من الأكاديميّة الأردنيّة؛ فالسيناريو الذي مورس على أستاذ الأعصاب الطبيب المعاني مورس من قبلُ على الأستاذ الطبيب المحافظة وفي التوقيت نفسِه تقريبًا، الذي حمل وزر قضيّة أطفال البحر الميّت، وكان الأولى حينذاكَ استقالة الرّزاز وليس الوزير المحافظة الذي كان كبش فداء وَحَمَلَ وِزْرَ الآخرين؟ وهل يُعَدُّ صدفةً خروجُ الوزير الطبيب رئيس الجامعة الأردنيّة ووزير التعليم العالي الأسبق المعاني وخروج الوزير الطبيب رئيس الجامعة الأردنيّة السابق من تشكيلة حكومة الرّزاز النهضويّة بالسيناريو نفسِه وبتوقيتن متقاربين أم أنّ هناك أجندةً لدى البعض، ومنهم الرّزاز، لحرق الوزراء؟
ولم يتوقف الرّزازُ عن تخبطه وإجراء تجاربه الفاشلةِ في إدارة حكومته عند ذلك فقط، بل كلّف وزير الشؤون القانونيّة بالوزارتين وبعد يومين كلّف وزيرًا آخَرَ.
وعند إجراء مقارنة بسيطة بين مسيرتي المعاني والرّزاز الوظيفيّتين نجد تفوّق الأستاذ طبيب الأعصاب في كثير من الجوانب، سواء الاستقرار والتخطيط الاستراتيجيّ والمهارات القياديّة والخبرات في إدارة مفاصل الدولة والمؤسسات الأكاديميّة. وإذا عُدنا إلى سياسة التجارب والحرق المُتَّبَعَةِ من الرّزاز تجاه الشعب والوزراء ربّما نجدها نابعة من مكنونات نفسيّة وخلجات عاطفيّة رومانسية وكوتات وشللية وشبكة علاقات محصورة في ما سبق ولا تدلّ على الاستقرار والخبرة والفكر والتفكير الاستراتيجيّ وَسَعة الصدر والحلم وبُعد النظر، ولقد كان الأولى به تقديم استقالته؛ فنحن بحاجة حقيقة إلى شخصيّة وطنيّة ذات خبرة.