لأكثر من سبعين عاما نجحت اسرائيل والدول العربية في تحشيد الجماهير من اجل الحرب لكن الفريقين فشلوا في تعبئة الناس من أجل السلام , واقتصر السلام بين الدول العربية ( مصر ، الأردن ) وإسرائيل على سلام الحكومات القائم على عمود واحد هو الأمن والتعاون الاستخباري , في غياب شبه كامل للأعمدة الاخرى السياسية والثقافية والاقتصادية والإعلامية ، ويشعر الزائر للمنطقة أن حالة الحرب ما زالت قائمة وأن فكرة السلام بحد ذاتها لم تنجح في دفع الشعوب العربية نحو التقارب مع اسرائيل.

الأجوبة التقليدية للسؤال الأكثر الحاحا لماذا فشل التطبيع بين الشعوب العربية واسرائيل يتمحور حول استمرار الصراع العربي الإسرائيلي والجمود في حل القضية الفلسطينية ، والتحريض المتبادل في وسائل الإعلام.

لكن إليكم الأسباب الأكثر التصاقا بالواقع والتي لم يطرحها المراقبون من قبل :

السبب الأول : هو الاختلاف في بنية وتركيبة المجتمع society's structure بين اسرائيل والدول العربية، حيث المجتمع الإسرائيلي هو bottom Up society لديه القدرة على التغيير والتأثير بواسطة grassroots ولديه حرية سياسية واكاديمية وحرية الوصول الى المعلومات، حرية التعبير، حرية الصحافة ، وآليات المحاسبة ، مجتمع تهيمن فيه السلطات المنتخبة على السلطات غير المنتخبة ، بينما المجتمع العربي هو Top down society التغيير يتم فيه من اعلى لأسفل عن طريق أدوات السلطة وهو مجتمع ضعيف في مواجهة النظام السياسي او السلطة ، مستوى الحريات فيه محدود وقدرته على مراقبة السلطة محدودة وهو مجتمع مغلق، لذلك من الصعب جدا خلق تفاعل متكافىء بين مجتمع مفتوح ومتحرر ومجتمع مغلق حيث تصبح عمليات التشبيك وتبادل المعلومات بين الطرفين في غاية الصعوبة وتخضع للاختلافات والتباينات في كلا الطرفين .

السبب الثاني : البنى والهياكل الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية لا تتناسب مع النمط الاقتصادي للمجتمع الاسرائيلي ، مجتمع الهايتك مجتمع start up nation لا يتفاعل بشكل جيد مع مجتمعات ما زالت تعتمد على الزراعة التقليدية والصناعة التقليدية ، لذلك يجد الرياديون entrepreneurs الإسرائيليون الذين ادخلو الهايتيك إلى كل مجال من الصناعة الى الزراعة الى الطب الى التعليم والنقل والبنية التحتية صعوبة في التعامل مع نظرائهم من الدول العربية المعتمدين كليا على الأنماط التقليدية ،وبناء على ذلك لا تجد اسرائيل مصلحة مجدية في التطبيع مع الدول العربية ولا تهتم بذلك وتتجه للتعاون مع مناطق اخرى في العالم مثل الهند والصين ودول امريكا اللاتينية .

السبب الثالث : محاولة الحكومات العربية في مصر والأردن -الدولتين الوحيدتين اللتين تتمتعان بمعاهدة سلام مع اسرائيل - احتكار التطبيع مع اسرائيل وحصره في الجانب الحكومي فقط ومنع الأفراد ومنظمات المجتمع المدني من تطوير علاقات مع نظرائهم الإسرائيليين لأسباب أمنية اولا ، ومن اجل عدم الاطلاع على مستوى العلاقات الأمنية والاستخبارية والمصالح المشتركة بين اسرائيل وكلا من مصر والأردن من ناحية ثانية , والاهم من ذلك ان الحكومات العربية لا تريد للمواطن العربي الاطلاع على التجربة الإسرائيلية واكتشاف النموذج الاسرائيلي القائم على النجاح في كافة المجالات التعليمية والصحية والاقتصادية والزراعية والتكنولوجية لسبب بسيط وهو ان اسرائيل تشكل للحكام العرب ليس فقط تحدي عسكري او سياسي وإنما أيضا تحدي اقتصادي وتنموي .

وأخيرا ، الوصول الى السلام يتطلب من الدول العربية أن تتمتع بمستوى اقتصادي واجتماعي وديمقراطي معقول يمهد لتكافىء المجتمعات للانتقال من سلام الشجعان إلى سلام المتكافئين .

Mutaz876@gmail.com