الحرب الاهلية اللبنانية بدات عام 1975 بمناوشات بين حزب الكتائب اللبناني والمجموعات الفلسطينية في بيروت , ولكن الجماعات اليسارية والعربية والإسلامية اللبنانية شكلت تحالفا مع الفلسطينيين, مما اشعل فتيل الحرب الاهلية على اسس طائفية ، وعلاوة على ذلك، شاركت كل من إسرائيل وسوريا ، في الحرب وحاربت جنبا إلى جنب مع فصائل مختلفة , حيث ادت الحرب الاهلية الى التفاف كل طائفة حول الحزب الذي يمثلها طائفيا. في نهاية الحرب الاهلية ,اصدارالبرلمان اللبناني عام 1991 عفوا عاما ,حيث حلت جميع المليشيات المسلحة فيما رفض حزب الله التنازل عن سلاحه حتى يومنا هذا , وقد تم كذلك اعادة بناء الجيش اللبناني على اسس غير طائفية مما اكسبه ثقة واحترام الجميع .
ولاحداث توازن مع الكتلة المسيحية المارونية الاقوى في لبنان , اسس رفيق الحريري تيار المستقبل عام 1995 لتمثيل الطائفة السنية, واما ايران قامت بدعم لا محدود لحزب الله الذي يمثل الطائفة الشيعية . انتهاء الحرب الاهلية كان فقط اعلانا لتوقف هدر دم الاشقاء ,ولكنه كان بداية عهد جديد اسواء من ذي قبل كما يصفه الكثرين , حيث تقاسمت الاحزاب التي من المفترض انها سياسية السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في البلاد على اسس طائفية . وعلى اثر اغتيال رفيق الحريري عام 2005 وخروج الجيش السوري, نشاء تحالفان في لبنان وهما 14 اذار ومن ابرز اعضائه تيار المستقبل , وحزب الكتائب والقوات اللبنانية , ويدعم هذا التحالف الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية , واما التحالف الاخر فهو 8 اذار ويشكل التيار الوطني الحر " العوني" وحزب الله وحركة امل العامود الفقري له, ويعتبر هذا التحالف من المحسوبين على سوريا فيما عدا التيار العوني الذي كان من اشد المعارضين للوجود السوري في لبنان .
الشعب اللبناني الاكثر تحضرا في المنطقة وبعد تجربة قاسية مع الاحزاب الطائفية , اتضح له انه لا يمكن بناء دولة مدنية حديثة مبنية على اسس طائفية ودينية ,لان استمرار ذلك ادى الى احتكار السلطة في الدولة من قبل عائلات ذات نفوذ في احزابها , والذي بدوره ادى الى فساد ينخر في العامود الفقري للدولة اللبنانية , بسبب الصراع المستمر على تقاسم السلطة والمصالح ومقدرات البلاد , فكانت النتيجة ازدهار الهويات الفرعية الطائفية على حساب الوطن , مما ادى الى تردي الخدمات الحكومية العامة , وتدهور الحالة الاقتصادية في البلاد حتى وصلت الى حافة الهاوية واصبحت الدولة على بعد امتار من اعلان حالة الافلاس . هذه الاسباب هي التي جعلت الشعب اللبناني ينتفض ويتحد في وجه الفساد والطائفية السياسية . والسؤال الذي يتبادر الى الذهن , هل احتجاجات الملايين ستنجح في تغير الوضع القائم, والجواب باعتقادي لا , لان النظام السياسي الطائفي اللبناني في شكله الحالي , عبارة عن اخطبوط بكل ما في الكلمة من معنى , فالاحزاب السياسية الطائفية تمثل اذرع الاخطبوط الثمانية وهذه الاذرع مغطاة بصفين من الماصات التي تساعده على التشبث بالاشياء بقوة شديدة ,وبالتالي يصعب اجتثاث هذا النظام الاخطبوطي واستيداله باخر في المدى المنظور.
لقد ان الاوان للشعوب العربية اذا ما ارادت ان تلحق بركب الحضارة , ان تقبل بفصل الدين عن الدولة اي تصبح دول علمانية, وتعترف وتطالب حكوماتها بتطبق مبادىء ميثاق حقوق الانسان للامم المتحدة الذي صدر في عام 1948 , لكي تعامل تلك الدول مواطنييها على اساس القانون المدني , وبدون اي تفرقة على اسس عرقية او مذهبية او طائفية حتى تسود المصلحة العليا للوطن .
waelsamain@gmail.com