الروس وطموح السيطرة على القارة الوسطى
د. خلف ياسين الزيود
03-11-2019 10:01 AM
نرى اليوم روسيا تدخل من منافذ جغرافيَّة مختلفة الى القارة الوسطى والتي تبدأ من المغرب العربي الافريقي الى حدود الهند، وتعتمد طرق تعاون يتداخل فيها العمل الاقتصادي بالعسكري، والتعاون الحكومي بالقطاع الخاص، مستفيدة من تراجع القوى الغربيَّة والأوروبية ومن ازدياد الازمات والصراعات في كثير من دول القارة.
وتُمَثل القارة الوسطى الآن جبهة العمل الروسية بتسارع وهدوء. وفي هذا الإطار نلاحظ المجال العسكري بارزاً كنقطة بداية للدخول وبناء علاقات تعتمد المصلحة المشتركة. على خلاف جذور العلاقات الروسية السابقة من عقود خلت من الزمن؛ حيث كانت مقتصرة على العلاقات الدبلوماسية والمِنَح الرمزية في مجال الزراعة والصحة والتعليم، بالإضافة إلى بعثات التعليم العالي الذي كان ضمن الاتفاقيات السائدة بين روسيا وكثير من دول القارة.
وبدأت روسيا تركز على توسيع نفوذها في هذه القارة وذلك باستهداف أنظمة لا تحظى بعلاقات جيدة مع الغرب ومثال ذلك يتمثل في ما ظهر جليا في الدعم الروسي المطلق عسكريا وسياسيا لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. كما دعمت سياسيا وعسكريا اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر ولها علاقات أمنية وتعاون عسكري مع النظام المصري، وتعد أحد أبرز مزودي الجزائر بالسلاح، حيث وقع الجانبان في العام 2014 اتفاقية بنحو مليار دولار تستخدم بموجبها الجزائر تقنيات ومكونات روسية في إنتاجها الحربي.
بالإضافة إلى هذا، تنخرط روسيا في اتصالات اقتصادية مباشرة مع الدول لا يمكن التقليل من أهميتها. فقد اتفقت مع المغرب على إنشاء منطقة حرة للتبادل التجاري بين البلدين، وتفاهمت مع غيرها لإنشاء مفاعلات نووية تستخدم لأغراض سلمية وكما ألغت ديون على بعض الدول بمليارات الدولارات.
وتنطلق حسابات الانفتاح الروسي على هذة القارة من طموح موسكو الساعي لمنافسة القوى العالمية التي تتسابق عليها على مدار العقدين الأخيرين، وذلك لكسب تأييد هذه الدول في إطار الاصطفافات الحاصلة في الملفات الخلافية الدولية.
ويبدو أن روسيا باتت تزعج كثير من الدول بسبب دعمها رسميا لفك ارتباط عملات دول باليورو بتغطية من الخزانة الفرنسية؛ فقد تداولت تقارير صحفية خبر لقاء عُقد بين وزير الاقتصاد الروسي ونظيره الفرنسي، وهدد فيه الأول باللجوء إلى فرض عقوبات اقتصادية على البضائع الفرنسية إذا واصلت باريس فرضها ربط العملة الأفريقية بالمصالح الاقتصادية لفرنسا. ومن ناحية أخرى؛ قد تصب السياسة الخارجية الأميركية الحالية ومواقف وتصريحات الرئيس دونالد ترمب تجاه دول هذه القارة لصالح الحسابات الروسية، فمن المحتمل أن تؤثر سياسة ترمب على تراجع النفوذ الأميركي في كثير من هذه الدول وخصوصاً عند الشعوب. لكن روسيا تحتاج رسم سياسة مشتركة مع حلفائها وشركائها الاقتصاديين وبوجه خاص الصين لخلق تكتل دولي مؤثر في مجالات السياسة والاقتصاد، ينسق ويتكامل بطريقة تضمن منافسة القوى التقليدية المستأثرة بخيرات هذه القارة والمهيمنة على قرارها السياسي والسيادي.
إن خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تسويقه في هذه القارة يجد معارضة من دول لها علاقات مع الصين وروسيا، وهذا يشير إلى وجود قلق أميركي مستمر من النفوذ الروسي منذ الأزمة الأوكرانية، لكنه ويطريقة ما جعل واشنطن تقدم للمؤسسة العسكرية في مصر دعماً بمليارات الدولارات.
وهنا فان التحديات التي تواجه القارة تتعلق بصلاحية البنية التحتية للتجارة والأعمال، والشفافية والحاكمية الرشيدة وسيادة القانون. والقارة تملك فرصا استثمارية كبيرة، لكنها تفتقد للتخطيط والتفكير على المدى الطويل.
الطموح الروسي لإعادة تعريف القوة الروسية ولعبها دور القطب المنافس يجعل الروس ينظرون إلى الشرق الأوسط من منظورٍ استراتيجي لكن هذه النظرة لم تأخذ طريقها للظهور بشكل واضح عقب انهيار الاتحاد السوفيتي نتيجة حالة الفوضى الداخلية وفي دول الجوار الروسي، وبعد ترسيخ القبضة على الدولة والمجتمع في روسيا، ومن ثم التدخل الواضح في دول الجوار الروسي، وصولاً لترسيخ استراتيجية التوسع لتصل إلى الشرق الأوسط.
وقد بدأت مظاهر التدخل الروسي في المنطقة من خلال دعم البرنامج النووي الإيراني، وتبني مقاربة تجعل من إيران حليفاً لروسيا في المنطقة لما تتمتع به من موقع جيوسياسي، فهي تطل على القوقاز وعلى الخليج العربي وعلى آسيا الوسطى هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن إيران تشكل بالنسبة للمنطقة فزاعة يمكن لروسيا من خلالها التأثير على دول المنطقة وعلى الغرب على حدٍ سواء بغية تحصيل مكاسب تكتيكية مرحلية أو استراتيجية تعيد بلورة دورٍ إمبراطوري روسي استند هذا على تعزيز مظاهر تحدي العالم في مناطق الأزمات (جورجيا – أوكرانيا – القرم – سوريا).
الروس يعرفون جيدا المسألة الفلسطينية، وحدود الممكن وغير الممكن. واعلنوا انهم يرفضون من حيث المبدأ التطبيع المجاني مع إسرائيل قبل حل المسألة الفلسطينية. ولكنهم يريدون أخذ فرصة جديدة، لاسيما وان موقعهم بالاقليم ووجودهم على الحدود الاسرائيلية من خلال سوريا، يعطيهم القدرة والافضلية في التأثير على إسرائيل. ويعتقدون كما يعتقد بعض الفلسطينيين والعرب، ان الاستجابة للدعوة الروسية يعزز من مكانة القضية الفلسطينية دوليا. وعدم تحقيق تقدم لن يؤثر سلبا على الفلسطينيين، بل العكس صحيح. وعلى القيادة الفلسطينية والعربية التقاط هذا الطموح وتحفيزه للعب دور أكبر في القضية الفلسطينية والعمل على الطلب بعقد مؤتمر دولي يبني على ما سبق لفرض خيار التسوية السياسية اسوة بالملف النووي الايراني والملف السوري واليمني والليبي وغيرها فهل سيلتقطها الساسة والاستفادة من هذا الطموح الروسي.