على غير ما أريد من آلة الكمان
عيسى أبو جوده
03-11-2019 10:11 AM
سأموت بحادث عربة صفراء مائلة، يترجل صاحب العربة المسافرة، يجثو على ركبتيه من عبء المصادفة اللاهية، ويقول للمارة على غير ما يشاء عند رصيف المحطة الحاشدة : "هو من كان يقطع الطريق مسرعا نحو الجهة المقابلة." يضرب كفا بكف ويقول : "مالي ومال الرجل صاحب الأنف الناتئة، هو من كان يقطع الطريق صوب الضفة الحافلة، هو من كان يقطع الطريق حافيا نحو مهرجان اللغة الواحدة." وأنا لا زلت أصارع رقصة الوردة الحمراء القاتلة، يهرول المارة صوب المشهد الأخير، مشهدي ذو الحقيقة الوارفة ويكتفون بالتحديق في إشارة حمراء قانية، شأنها في ذلك شأن الراية الواجفة من غزال الحكاية الشاردة، إذ تقول ولا تقول وتكتفي بنقل الإشارة الجارحة.
إحدى صفات الخيبة تلك، أن تحمل طائعا جسدك المكسور على كتفك ولا يحملك، أن تستقبل البلاد، كل البلاد ولا تستقبلك.
يترجل أحد المارة وينتحي له مشهدا قصيا يشغله عن جلبة الموقف المتعال، يتصفح دليل الهاتف النقال باحثا عن سيارة الإسعاف بين الصفوف والرفوف ويسأل : " لماذا يموت الواحد منا دون حذاءه؟ لماذا يموت القطار دون بلاده؟ لماذا لا تؤدي سيارة الإسعاف واجبها المعرفي كما تؤدي دودة القز المنزلي واجبها الكوني؟ لماذا لا تأتي البلاد في موعدها؟ تتلكأ سيارة الإسعاف ولا تأتي، ثمة خطأ ما، يلقي أحد المارة باللائمة على هامش ترك ولم يعبد، ويلقي آخر باللائمة على وطن ترك ولم يمهد. يقول أحد المارة معللا تأخر القاطرة : " لربما هي سكة الحديد الجديدة." يقول آخر ساخرا : " هي تدابير لا زالت قاصرة عن متابعة شؤون الإشارة الواحدة، فإذا ما أردت أن تعرف ماذا يحصل في نهر البارد فعليك أن تعرف ماذا يحصل في دمشق القيامة، وإذا ما أردت أن تعرف ماذا يحصل في عراق الحنين فعليك أن تعرف ماذا يحصل في جنين."
جنين، فراغ لغوي لا زال لم يعبأ بعد بسلام النص المقدس مع السكين.
تأتي سيارة الإسعاف ولا تأتي، تأتي سيارة الإسعاف، يخرج منها رجلان، أبيضان، يحملان لي ظلي على عجل ويغادران.
تأتي سيارة الإسعاف ولا تأتي، تأتي سيارة الإسعاف صفراء ثقيلة، أنا الذي كنت أظن بأن لها جناحان.