لماذا تتهربون من أزمة المخيمات؟!
ماهر ابو طير
02-11-2019 12:08 AM
لا أعرف لماذا تتفرج الحكومة حتى الآن، أمام ما قد يجري في المخيمات في الأردن، ومناطق أخرى، اعتبارا من يوم غد الاحد، إذ يعلن العاملون في وكالة الغوث للاجئين عن إضرابهم المفتوح، والذي يشمل خدمات التعليم والعلاج والنظافة وغير ذلك؟!
لا يمكن الوقوف أمام هذا الملف، باعتبار أن هؤلاء لاجئون فلسطينيون يحتجون على رواتبهم من وكالة الغوث، وبالتالي لا علاقة للحكومة بهذا الملف، إلا عبر دائرة الشؤون الفلسطينية، فهذا تسطيح للمشهد لسببين، أولهما ان هؤلاء مواطنون أردنيون، وثانيهما أن الإضراب يترك أثرا على سياسات الأردن الخارجية، بخصوص البحث عن دعم وتمويل لوكالة الغوث الدولية، وهكذا إضراب يأتي في توقيت حساس سياسيا وماليا، وله كلفته على كل ملف وكالة الغوث الدولية الذي تسعى واشنطن لشطبها من الوجود.
العاملون يطالبون بزيادة كبيرة تقدر بمئتي دينار، ومسؤولون في الوكالة يقولون ان مخصصات الرواتب تكفي فقط لنهاية العام تقريبا، وموازنة الوكالة تعاني من عجز يقترب من حدود التسعين مليون دولار، واذا أجرينا استطلاعا في أوساط العالمين لسمعنا منهم آراء سلبية جدا ضد إدارة الوكالة وطريقة التوظيف والتعيين والرواتب وغير ذلك من تفاصيل تأخذهم الى استنتاجات غاضبة تؤشر على تراجع خدمات التعليم، وتراجع مستوى النظافة في المخيمات، وغير ذلك من قضايا، إضافة الى أوضاعهم الشخصية.
هذا ملف أردني لاعتبارات مختلفة، إذ كما أشرت فإن الأمر يرتبط بسياسة الأردن الخارجية، ووجود كل وكالة الغوث الدولية والإضراب هنا، يوجه ضربة من جهة ثانية لكل وجود الوكالة التي تعاني من قلة التمويل، والعجز، وكأن المضربين هنا، يعمقون أزمة الوكالة في توقيت حساس، وهذا ليس اتهاما لهم، لكنه الواقع الذي سنراه، دون أن ننكر أهمية مطالبهم وحاجتهم إلى تلبية الممكن منها، في ظل ظروفهم.
الأصل أن تشكل خلية أردنية من التربية والتعليم والخارجية والداخلية وجهات أخرى، من أجل إدارة هذه الأزمة، خصوصا أن من المتوقع خضوع الإضراب لتوظيفات سياسية، فوق الأثر السلبي على المستفيدين من خدمات وكالة الغوث الدولية، وأغلبهم في المخيمات، وعدد آخر منهم بات يسكن خارج المخيمات، لكن المشترك أن عدد المستفيدين من خدمات الوكالة عددا ليس قليلا، وسنرى اعتبارا من الغد إذا أصروا على إضرابهم طلبة عشرات المدارس في الشوارع، وأن خدمات العلاج توقفت، والنظافة في المخيمات انعدمت إضافة الى بقية التداعيات التي لا يمكن التهوين منها.
هناك جهات رسمية ترى أن الأفضل عدم تدخل الحكومة، كون الملف مرتبطا بالأمم المتحدة، وبوكالة الغوث الدولية، وان الاضراب تعبير في وجه هذه المؤسسات، وليس في وجه الحكومة، وان إدارة الملف عبر سقف منخفض، أي دائرة الشؤون الفلسطينية، أمر كاف، وهذا الرأي يفتقد الى البصيرة، لأن الإضرار اذا تحققت وتواصلت ستؤدي ضمنيا إلى نقل أحمال الوكالة من أكتاف الأمم المتحدة الى ظهر الحكومة هنا، عبر ظواهر عدة، أقلها بدء انتقال الطلبة من مدارس الوكالة الى مدارس الحكومة، وغير ذلك من تداعيات، بما يعني ان هذا الملف لا يمكن التهرب منه، او اخلاء المسؤولية فيه.
لا بد من تدخل اليوم السبت، قبل ان يبدأ الاضراب، واذا تم السكوت على هذا الملف، واندلع الاضراب، فإننا سنكون أمام مشهد محير جدا، من حيث كلفته على المخيمات ذاتها، وعلى المستفيدين، وعلى وكالة الغوث، وعلى الحكومة لاحقا، بما قد يؤشر من باب الشك، ان هناك من يريد لهذا الاضراب ان يمضي نحو غايته لسبب غير مفهوم، حتى الآن، وهذا أمر خطير حقا.
الأزمة تكمن من جهة ثانية، ان الحكومة غير قادرة على وقف الإضراب، اذ لا تمتلك أي أداة مالية من أجل إقناع المضربين بالتدرج او الصبر، كون كل هذا الملف لا يرتبط بخزينة الدولة حاليا، لكن ننبه الى أن ارتداد هذا الملف نهاية المطاف، سيكون على حساب الخزينة، اذا توقفت أدوار الوكالة واضطر المستفيدون قرع أبواب الحكومة للحصول على خدماتها، وهذا يعني أن التدخل السياسي حاليا مطلوب مع العاملين، من باب الوصول الى رؤية مشتركة، لا تؤذي أحدا من هذه الأطراف، في الوقت الحالي على الأقل.