في الطريق الى الاصلاح والتغيير
عريب الرنتاوي
26-11-2009 05:15 PM
ذهبت بعض القراءات لقرار حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة ، بعيدا عن التفاؤل ، وهذا امر محمود ومنسجم مع المثل الشائع في اوساطنا: «تفاءلوا بالشيء تجدوه».. لكننا بعد سنوات المراوحة الطويلة ، بتنا نحجم عن الافراط في التفاؤل ، ونحاذر تحميل هذه الخطوة او تلك اكثر مما تحتمل ، ونفضل التريث لنرى الاقوال تستتبع بالافعال ، فلا نرفع سقف التوقعات عاليا ، لان السقوف كلما ارتفعت كان الانزلاق عنها ، اعلى كلفة واشد خطورة.
ونعلم ان ثمة قوى «شد عكسي» ، هذا اقل ما يمكن ان يقال في وصفها ، مع انها تستحق ان تسمى رجعية ومتخلفة وعرفية الى اخر ما في قاموس الهجاء اليساري المعتاد» ، لن يفرحها ولوج البلاد عتبة مرحلة جديدة من الاصلاح السياسي ، وانها ستفعل كل ما في وسعها لتأييد القديم وابقائه على قدمه ، تارة لانها تدافع عن مصالحها الضيقة والرخيصة ، واخرى لانها مسكونة بثقافة ما قبل الحداثة والعصرنة ، بل وما قبل الدولة والصناعة والزراعة؟، ، هذه القوى ستبدأ من الان ، ان لم تكن قد بدأت من الامس ، شن حروبها الوقائية والاستباقية لقطع الطريق على الاصلاح والتغيير.
ولان تجارب السنوات الماضية أنبأتنا بان حكوماتنا المتعاقبة قابلة للتكيف مع رياح المحافظة والركود والاستنقاع ، وتخشى امتطاء صهوات التغيير والاصلاح ، فاننا لا نستبعد ابدا ، ان نعاود الكرة مرة اخرى ، وان نبدأ حراكنا الجديد بسقوف عالية ودعوات لامتطاء ظهور الخيل ، لننتهي مرة اخرى كما انتهينا في مرات ومبادرات اصلاحية سابقة ، الى الترك والنسيان.
علينا ان نعترف ان التغيير والاصلاح ، لم يعد متطلبا اختياريا ، بل مساقا الزاميا علينا انجازه قبل ان يدركنا الوقت ، ونجد انفسنا امام استعصاءات لا تنفع معها وصفة ولا دواء ، بيد ان طريق التغيير والاصلاح شاق ومضن ، ودونه خرط القتاد ، دونه اطر وبنى ومصالح ورموز وعلاقات اجتماعات ومنظومة قيمية ، نحتاج في سبيل تذليلها الى ارادة سياسية مقاتلة ، لا تستكين ولا تلين ، والى ادوات تليق بالمهمة الجسيمة وترتقي الى مستوياتها.
وعلى النخبة الاردنية ان تخرج عن صمتها وترددها ، وان تكسر اطواق الاحتواء الناعم الذي احاطت نفسها بها ، وان تمضي في استغلال الفرصة المتاحة حتى النهاية ، بل وان تعمل على توسيع هذه الفسحة ، او الكوة في جدار الركود والمراوحة ، لتقوى على تمرير مشروعها الاصلاحي في ابعاده المختلفة ، فل تبقى المسألة في حدود تعديلات طفيفة لا تقدم ولا تؤخر على قانون الانتخابات ولا يقتصر الامر على عدد يزيد او ينقص من المقاعد ، لهذه الدائرة او تلك ، او لهذا التيار او ذاك.
احتباس المشروع الاصلاحي «في شقه السياسي اساسا» لسنوات طوال ، يملي علينا التفكير برزمة من الافكار الاصلاحية ، التي تتخطى القوانين الى الدستور ، وتتجاوز حل المجلس والانتخابات المبكرة ، الى تعزيز الحرية والتعددية واحترام حقوق الانسان ، والغاء رزمة القوانين المقيدة للعمل العام ، من قانون الاحزاب والانتخاب مرورا بالجمعيات والاجتماعات ، وانتهاء بالصحافة والنشر والبلديات ، ليعاد صياغتها جميعها ومن جديد ، بروحية الاباحة لا الحظر ، والحرية لا القيد ، والثقة بالمواطن لا الاستمرار في اتهامه وادانته «كل ما دق الكوز بالجرة» ، تارة بالعمالة لجهات خارجية ، واخرى لخدمة اجندات غير اردنية.
مثل هذه التوجهات ، لا يمكن ترجمتها الا من خلال حكومة سياسيين انتقالية تشرف على الانتخابات وما سيصاحبها ويسبقها من خطوات انفراجية شاملة ، حكومة متخففة من «الوزراء الاعباء» ومن «وزراء التوتير والتصعيد» على حد سواء ، حكومة تستعيد ثقة جميع المواطنين «لا فئة قليلة منهم فقط» ، وتوفر مناخات الرخاء والاسترخاء ، لا القلق والتحسب ، حكومة قادرة ان تكون جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة ، حكومة يسجل لها التاريخ ، بانها اجرت انظف انتخابات واكثرها شفافية وعدالة ونزاهة ، حكومة تدخل التاريخ من بوابة الاصلاح والتغيير ، حكومة نذكرها جميعا ونتذكرها بكل الخير.
الدستور