ما يقرب من 10 آلاف مقاتل داعشي، وأضعاف مضاعفة قد تصل إلى 70 ألفا من عائلاتهم ومناصريهم من النساء والاطفال، محتجزون في سجون ومخيمات تديرها وتحرسها قوات سورية الديمقراطية الكردية. هؤلاء ينحدرون من أصول وجنسيات مختلفة من شتى أقطار العالم بما فيها الاوروبية. بعضهم يدعي التوبة والرغبة بالعودة لوطنه، مفترضاً أن ما حدث صفحة طويت وسيتم الصفح عنه. النساء والاطفال المحتجزون مشبّعون بفكر الارهاب والتطرف، يرفضون تصديق مقتل البغدادي، ويتوعد بعضهم أن خليفة آخر سيظهر، يقود المجاهدين من جديد، وعندها سيتم قتل وسجن من قاتلوهم وقضوا على دولتهم الارهابية المزعومة. غسيل للأدمغة شامل وعميق تعرض له هؤلاء حتى باتوا تهديداً حاضراً ومستقبلياً، وخطراً محدقاً لا يقل أذية عن أشد الاسلحة والقنابل فتكاً. إنهم بذور نسخة الإرهاب القادمة، مليئون بالحقد والشر والكراهية، لا يعرفون الا القتل والإجرام، ولا يرون ولا يقبلون أنهم إرهابيون. هؤلاء ومناصروهم أينما كانوا في العالم خطراً آنياً محدقاً، وايديولوجيتهم وتطرفهم والبيئة الحاضنة له تشكل خطراً استراتيجياً قادماً.
ربما يفضل كثيرون التخلص من هؤلاء المحتجزين وقتلهم، ولكن ذاك متعذر لأن العالم الذي قاتل الارهاب يجب أن يتصرف بطريقة قانونية معهم، فالقانون وتطبيق العدالة هو ما يميز العالم المتحضر عن عالم الارهاب المجرم. للتعامل مع المتطرفين في السجون، كان هناك ثلاثة نماذج في العالم والاقليم: نموذج السجن والشدة بالتعامل، وأسلوب اللين ومنح فرص جديدة للحياة في المجتمع والمساعدة مادياً على ذلك، ونهج ثالث، أردني بامتياز، اعتمد اسلوب المعالجة النفسية والفكرية والتناصح لإعادة تأهيل هؤلاء فكرياً ومجتمعياً مع إبقاء المتابعة الامنية المستمرة لهم. أخفق الأسلوب الاول والثاني، وفرّخا المزيد من الإرهاب. الأسلوب الثالث هو الذي حقق أكثر نسبة للنجاح وصلت لما يقارب 80 %. كان جنود هذه المعركة والقائمون على تطبيق هذا المنهج بالتعامل مع التطرف، الأئمة والوعاظ والمفكرون والمختصون النفسيون والاجتماعيون. هؤلاء يمتلكون المهارات الضرورية، والعلوم الدينية، التي مكنتهم من إقناع وثني كثير من المتطرفين عن تطرفهم، مستخدمين أسلوب النصح والوعظ والتثقيف بالدين واعتداله ووسطيته، بالحجة والبرهان الشرعي، الذي فتح أعين المتطرفين على الحقائق، وأظهر لهم حجم التطرف والانتقائية الدينية الخطيرة التي تم حقن عقولهم بها. بعد العلاج، تاب كثير من المتطرفين، وأصبح بعضهم رسولاً فاعلاً ومقنعاً لوسطية واعتدال وسماحة وسلمية دينهم. قلة لم تتأثر فلقيت قصاصها العادل.
نحتاج لمئات وربما آلاف الأئمة والوعاظ والمثقفين وعلماء النفس والاجتماع والاعلام للتعامل مع التطرف الذي يجتاح الاقليم. هذه بالتحديد هي معركة الشرق الاوسط القادمة، التي لا بد من تخصيص الموارد اللازمة لخوضها، تماماً كما استثمرنا بالاسلحة وتقنيات الامن. لا يوجد مكان تنفق عليه الاموال أفضل من الاستثمار بمكافحة التطرف والارهاب فكرياً واجتماعياً واعلامياً، وسيكون لذلك كثير الخير العائد على الاقليم.
الغد