facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




خيبتنا تبدأ من طريقة قرائتنا للإحداث


د. عادل يعقوب الشمايله
30-10-2019 12:23 PM

تتسابق وسائل الاعلام العربية على تقديم، رؤاها، للاحداث البارزة التي تتوالى بلا توقف على مسرح منطقة الشرق الاوسط بشكل خاص، والعالم بشكل عام.

تفتقر وسائل الاعلام العربية لامكانات وأدوات التحليل العقلانية الصائبة. أولا لأنها تصر على منهج الفزعة والاثارة الفجة. وثانيا، لأنها تتبنى وجهة نظر المسيطر على وسيلة الاعلام بغض النظر عن ديماغوغيتها. وثالثا، التسابق على إختطاف وتشييع المستمعين للاصطفاف معها في المواجهة الساخنة بين المتناوئين الصغار في المنطقة. لهذه الاسباب لا نعذر الطبقة المتعلمة وخاصة التي تتقن لغات اجنبية عندما تقبل أن تسجن نفسها في كهف التنجيم الرسمي البائس.

وتصبح بعد أن تدجنت بتلك التعاويذ تبشر بها وتتناقلها وتتفلسف بها على منابر الندوات والمحاضرات، بدلا من أن ترفع رأسها وتستقي المعلومات من وسائل عالمية لها مصداقية وتتجرأ على نشرها في محيطها لاحراج وكشف فتاوي الشعوذه الحكومية.

ما سبق ذكره، يأتي ردا على ما تتناقله وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عن حقيقة مقتل المدعو "ابو بكر البغدادي". معظم ما شاهدته وقرأته يستخدم فرية نظرية المؤامرة. هذه النظرية التي اخترعها سفهاء الامة لنتآمر بها على أنفسنا من خلال تفسير الاحداث واستخلاص النتائج وتحديد ردات الفعل. طبعا معظم من يطلقون على أنفسهم محللين، مقتنعين أن البغدادي لم يقتل وانه يهودي تقمص عباءة الخلافة الاسلامية، وانه يعيش الان في اسرائيل أو في الولايات المتحده ويلعب الورق مع ابن لادن وصدام والزرقاوي وربما الظواهري.

الان وبعد أن تساقطت اوراق عصابات الاجرام، تغير نعتهم من مجاهدين، الى عملاء لامريكا، وان امريكا هي التي اخترعت القاعدة وبوكو حرام وداعش. مع أن ابن لادن تباها مرارا وتكرارا بأنه المسؤول عن تفجير البرجين. وعندما حدثت تلك المأساة، تمددت رقاب الكثيرين من المزروعين بالكره وعشق الغزو، واعتبروه إنجازا إسلاميا مبهرا ضد دولة الكفر، ولم تسنكره معظم الحركات الاسلامية. نفس الامر حدث مع بدايات ظهور دولة الخرافة الاسلامية بقيادة البغدادي. فلقد حميت الرؤوس وتليت أناشيد الانتقام من الغرب على أفواه المؤمنين بانقسام العالم الى فسطاطين: فسطاط المسلمين ورثة الجنة وفسطاط الاخرين ورثة الجحيم. هؤلاء الذين غيروا مواقفهم بعد أن وصلت جرائم القاعدة وداعش حدودا لا يمكن التستر عليها وتبريرها خصوصا مع انهزام التنظيمين، لازالوا يشككون بمصداقية المصادر التي ترجع نشؤ حركة الاخوان المسلمين لتدبير المخابرات البريطانية، وحزب البعث العفلقي للمخابرات الفرنسية وانقلاب صدام حسين وسائر الانقلابات بدءا من انقلاب عبدالناصر والانقلابات السورية ومعمر القذافي للمخابرات الامريكية. ولكن على فرض صحة تلك المصادر، ماذا يفيدنا اتهام امريكا وغيرها من الدول على أنها صنَّعت هذه المنظمات والانقلابات؟
من حق الدول الحية القوية أن تحافظ على مصالحها. الحفاظ على المصالح يتطلب التواجد المباشر، والتواجد غير المباشر في مناطق المصالح ومناطق النزاع على المصالح. تستخدم الدول مخابراتها وجواسيسها ومبشريها وحملة المسابح والمباخر لتثبيت مصالحها قبل اللجوء للغزو المسلح المكلف ماليا وبشريا. تبدأ بالوسائل الدبلوماسية الناعمة من خلال المفاوضات ، فإن لم تُجدِ، تستخدم الدبلوماسية شبه الخشنة لازالة الغشاوة عن عيون المفاوضين الضعفاء المعبأين بالشعارات الجوفاء. فإن لم تنفع يتم اللجوء للدبلوماسة الخشنة من خلال القوات المسلحة لفرض الامر الواقع وقطف الثمار.
خلاصة القول ان الحكومات القوية تمتلك ترسانة من الوسائل المعلنة والخفية للوصول الى غاياتها. هذا ليس عيبا، بل واجبا وطنيا. العيب على من تعوزه هذه الوسائل ويرضى أن يبقى أعزلا. لا يجوز ان نمتص خيبتنا وهزائمنا وقلة حيلتنا وخَرَقنا الثقافي، وصحراوية ولائنا الوطني، ورخصنا وانخفاض سعرنا في أي سوق تُطلب فيه اجسادنا او عقولنا او خبثنا او عيوننا واسماعنا، كما تمتص حبات العلكة لتغييب رائحة عفننا الحضاري. على الذين يشككون في مقتل ابن لادن والبغدادي والزرقاوي وصدام والقذافي أن يدلونا عن مكان عيشهم، وان يقنعونا لماذا يجب على الولايات المتحدة ان تتردد عن قتلهم بعد أن أستنفذوا ، ولماذا يتوجب عليها إثبات صحة زعمها أنها قتلتهم. مسؤولية الاثبات تقع على المشكك. هذا إذا كانت الولايات المتحدة هي الاب الشرعي لهذه المنظمات لأنه لا زال هناك من ينسبها لدول الخليج ولسوريا وللعراق ولايران ولتركيا. لماذا لم تطعن سوريا أوتركيا أوايران أودول الخليج في الرواية الامريكية؟ وبغض النظر عن صحة مقتل اولئك المجرمين، فإن صفحتهم قد طويت، وطويت معها ارواح الاف الشباب المسلم الذين تم تجنيدهم في مساجد المسلمين في الوطن العربي والدول الاسلامية وبلاد المهجر ولم تكن لديهم الحصانة الكافية لمقاومة جرثومة الارهاب. لقد استطاع من صنعوا القاعدة وداعش في مختبرات مخابراتهم المحلية ان يجندوا شيوخ المساجد ويغدقوا عليهم الاموال الطائلة لاستخدام الدين وبطولات الصحابة والاوائل لزراعة الوهم والكره والانتقام واحلام عودة عالم جميل لا وجود له الا في كتابات المؤرخين المتناقضة، وتقريب انهار الجنة وحوارييها على بعد امتار من مكان تفجير حزام ناسف او سيارة مفخخة.
ألاسلام مختطف ليس من الغرب الكافر. الاسلام مختطف من جنرالاته الذين لا يقبلون الاحالة على التقاعد. ومختطف من أتباعِه الصم البكم العمي الذين يصرون على تصديق كل ما قرأوا في مناهج المدارس المزورة وخطب الخبط عشوائية أيام الجمعة وما يتجشأه نجوم "تطبيق الشريعة" على شاشات التلفزة التي اصبحت اقرب الى مكب النفايات منها الى منابر للتنوير والتحديث.
منذ بداية احداث افغانستان وبعدها العراق، نشأت "موضة" إستضافة محطات التلفزة ل"الخبراء الاستراتيجين " من الضباط المتقاعدين وأحيانا من اساتذة العلوم السياسية لاضفاء صبغة العقلانية على منهجيتها البدائية. في واقع الحال لم يتجاوز دور الخبراء، دور العرافين لأنه لم يكن لأي منهم أي إسهام معترف به في مجال الفكر السياسي والفكر العسكري والاستراتيجيات العسكرية. فالضباط من منتجات جيوش لم تعرف الا الهزائم. أما اساتذة العلوم السياسية فإنهم لا يستخدمون ما تعلموه ويعلموه في حقول العلاقات الدولية وتوازانات القوى وبصماتها على توزان المصالح والمواقف، وأثر الفراغ السياسي والثقافي والامني على مجريات الاحداث. وبدون حرص على سمعة مواقعهم الاكاديمية يجترون ما سبق وتناقلته وسائل الاعلام عبر المراسلين الصحفيين في الميدان، وتحليلات كتاب الصحف المستوظفين عتيقي المعرفة صدئي الرؤيا. بالنتيجة ساهم الخبراء الاستراتيجيون بعصيهم على الشاشات في تضليل المشاهدين العرب. إذ لم يكن لدى أي منهم عصاة موسى بل عصي سحرة فرعون. فكانت النتيجة : "فأضل فرعون قومه وما هدى" .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :