في ضرورات تطوير المناهج والتعليم
إبراهيم غرايبة
30-10-2019 12:07 AM
يتلقى التلاميذ في برامج التعليم الأجنبي في المدارس الخاصة (آي جي، وآي بي) قدرا من المعرفة والمهارات العامة والحياتية تتجاوز بمراحل بعيدة ما يتلقاه الطلاب في الجامعات الأردنية فضلا عن المدارس، وتلاقي هذه البرامج برغم كلفتها المرتفعة إقبالا كبيرا، ويتحمس لها عدد كبير من الأهالي، لكن محاولات اقتباس هذه التجارب الناجحة في المدارس الحكومية تلاقي معارضة وتشويشا محيرين، ففي حين يقول البنك الدولي إن 52 في المائة من التلاميذ في الأردن يصلون إلى العاشرة وهم عاجزون عن استيعاب جمل وعبارات بسيطة فضلا عن القدرة على قراءتها، وأن نسبة كبيرة من المعلمين غير قادرة على تقديم المناهج التعليمية للطلاب، وأن مستوى التحصيل المعرفي للطلاب لا يساوي نصف عدد سنوات الدراسة التي يقضونها على مقاعد الدراسة، وأن غالبية الطلاب يتخرجون من الثانوية وهم في مستوى معرفي لا يؤهلهم لدخول الجامعات أو المشاركة في سوق العمل؛ تواجه عمليات تطوير المناهج والارتقاء بمستواها ومحتواها لتنسجم مع التطور المعرفي الهائل الذي يغمر العالم اليوم، وتؤهل الطلاب لاستيعاب متطلبات أعمال جديدة وأكثر تعقيدا من قبل.
ليس مناسبا قياس محتوى المناهج التعليمية ومستواها على الأجيال السابقة، فالمعرفة المطلوبة والمتاحة قبل الشبكية ليست هي بالتأكيد في مرحلة ما بعد الشبكية، حيث تتدفق المعرفة وتتداول على نطاق واسع تجعل كثيرا مما تعلمه الجيل السابق بديهيا ومتاحا للجيل الحاضر ولم يعد في حاجة الى كتاب مدرسي ومعلمين، لكن ثمة مهارات ومعارف أخرى جديدة وضرورية يجب تعلمها دون الانشغال بالتكرار وما صار بديهيا ومعروفا، وفي السياق نفسه تزيد ضرورة البدء بالتعليم في سن مبكرة حتى يتاح للأجيال اكتساب العادات والمهارات المعرفية والصحية والسلوكية قبل فوات الأوان.
وليس صحيحا أن مستوى التعليم في السابق كان أفضل مما هو اليوم، العكس هو الصحيح فالتلاميذ اليوم يتلقون قدرا من التعليم يفوق ما تعلمه الجيل السابق، وعلى المستوى الشخصي فإني عندما أقارن ما يتعلمه أبنائي بما تعلمته أجد هناك فجوة واسعة لصالح الأبناء، لكن من الطبيعي عندما يكون عدد الملتحقين بالمدارس والجامعات أقل ستكون نتائج التعليم مميزة، دون أن نلاحظ للأسف الشديد أن نسبة كبيرة من الأجيال السابقة لم يتح لها ابتداء فرصة التعليم الكافي والمناسب، حتى في الأخذ بالاعتبار النسبة الكبرى للتلاميذ الذين لم يتلقوا معرفة كافية وهم على مقاعد الدراسة فإن النسبة الأخرى ممن تلقوا تعليما مناسبا تفوق كثيرا عدد ونسبة المميزين في الأجيال السابقة، وبالطبع فليس هذا الجدل للتقليل من خطورة التحديات التي تواجهنا في التعليم .. لكن للدعوة إلى التركيز على هذه التحديات أكثر من مخاوف وهمية أو ضئيلة على الثقافة والعادات والتقاليد، حتى لو كانت هذه المخاوف حقيقية وصحيحة فلا مفر من تطوير التعليم والمشاركة في التجارب العالمية، إذ لم يعد ممكنا أن نغلق على أنفسنا الشبكة المعلوماتية، ولم يعد في مقدورنا أن نحجب المعلومات والصور والأخبار والمواد المتدفقة والمتاحة لكل الناس من خلال الشبكة، .. الحل ببداهة ليس في منع المعرفة أو الإعراض عن العالم، لكن في اكتساب المناعة الاجتماعية والثقافية التي تؤهل الأجيال للمشاركة في العالم وأن نكون جزءا من العالم يتقبلنا ونتقبله.
الغد