الشباب من البرامج الشكلية إلى الأطر المؤسسية
د. فيصل الغويين
29-10-2019 02:49 PM
تبدو المفارقة كبيرة بين خطاب سياسي ملكي يدعو دائمًا إلى الاستفادة من طاقات الشباب وتمكينهم معرفيًا ومهنيًا، والممارسات العملية التي لا تزال تتعامل مع ملف الشباب من خلال أطر هنا وهناك، يغلب عليها الطابع الشكلي والإعلامي، والإدارة البيروقراطية، مع غياب واضح للرؤية والدور والتراكم، الذي بدونه يصعب أن تترك هذه الأطر أثرًا ملموسًا في التأثير بهذا القطاع الاستراتيجي الأهم، مع زيادة عدد الشباب وارتفاع نسبتهم في الهيكل الديمغرافي للمجتمع.
لقد بات من الملاحظ أنّ المؤسسات الحكومية المسؤولة عن الشباب من جوانب مختلفة (التربية والتعليم، التعليم العالي، الجامعات، وزارة الثقافة والشباب، وزارة الشؤون السياسية) لا تزال تعمل بانفراد وكل ضمن رؤيته، مما يعني حدوث الكثير من التعارض والازدواجية، وما يعنيه ذلك من هدر للجهد والمال والوقت، وضآلة المردود المتوقع. في وقت تبدو الحاجة ملحة إلى تبني سياسة وطنية للشباب ذات طبيعة مؤسسية، وتطوير الإطار التشريعي المنظم للحركة الشبابية في الأردن.
ومن مظاهر الإخفاق الواضحة قصور برامج التنشئة الوطنية والسياسية، والتي تعنى بنقل الثقافة السياسية من جيل إلى آخر وتطويرها وتحديثها وفقًا للظروف المتغيرة، بهدف الحفاظ على هوية المجتمع واستقراره الاجتماعي والسياسي، وتوسيع دائرة المشاركة العامة الفاعلة المستندة إلى تأسيس معرفي وثقافي ومهني متين.
إنّ السياسات المتبعة في مجال التنشئة السياسية والوطنية لا تزال تقليدية وشكلية، وتقوم على ملئ أوقات الشباب من خلال تنفيذ أنشطة اجتماعية وترفيهية، يغلب عليها الطابع الإعلامي الاحتفالي العابر، والحديث الاعلامي عن تمكين الشباب الذي يبدو شكليًا، مع تهميشهم واقعيًا، بدل التركيز على الأنشطة المتعلقة بتدريب الشباب وتثقيفهم سياسيًا ومعرفيًا، وهو ما يحقق حالة من التحصين الفكري لهم من شتى أنواع الاختراقات، بحيث يصبحون أكثر قدرة على التحليل العلمي الموضوعي، والتفكير الناقد القادر على تفكيك الأحداث، والبحث عن ما وراء الشكل والصورة والعبارة.
ومن هنا تقترح هذه المقالة إنشاء أكاديمية وطنية خاصة بالشباب، تكون بمثابة النافذة التي يتم من خلالها توفير فرص حقيقية للشباب، الذين يعدون الأكثر نشاطًا في الحياة السياسية، والأكثر مشاركة في الحياة العامة، كما أنهم الأكثر مشاركة في الانتخابات، كما تدل على ذلك الأرقام والنسب المنشورة، على أن يشرف على إعداد برامج هذه الأكاديمية وإدارتها مختصون من كافة القطاعات.
لقد بات من الواضح أنّ الآليات والثقافة الموروثة، التي أنتجت النخب التقليدية، لا تزال تنتج نجب أخرى جديدة شكلًا، لكنها لا تختلف في مضمونها عن النخب التقليدية، مما يشكل مدخلًا لتشخيص أزمة النخب الشابة، بتجاوز سؤال أزمة النخب، إلى سؤال يدور حول ما هية النخب التي يجب أن تعتمد عليها الدولة خلال الفترة القادمة، وهل القاعدة التي ترتكز عليها البرامج والمبادرات الحكومية ذات الطابع البيروقراطي، كافية لإنتاج هذه النخب.
ومن أجل تطوير برامج وطنية تساهم في إنتاج نخب شابة جديدة في كافة القطاعات، على درجة عالية من الكفاءة المعرفية والمهنية، يمكن اقتراح ما يلي:
1- إيجاد آلية واضحة وشفافة لتوسيع دائرة الشباب المستفيد من مشروع الأكاديمية المقترحة، ومعايير اختيار هؤلاء الشباب الذين يمكنهم الاستفادة من برامج الأكاديمية. خاصة شباب الجامعات والكليات، والشباب حديث التخرج، والشباب المبدعين، والمهتمين بالعمل العام، والمنخرطين في أطره، سواء السياسية أو النقابية، أو الاجتماعية، أو الثقافية.
2- المزاوجة بين البناء الفكري والثقافي، والتدريب القيادي، والادماج في حركة المجتمع، إضافة إلى توافر الوعي القائم على المعرفة العلمية ، والذي يعد من أهم عوامل النجاح للقيادات الشابة.
3- الاهتمام بتوفير فرص تدريب لخريجي الأكاديمية في القطاع العام والخاص لفترات محددة، كل في مجال تخصصه، لضمان حصول الخريجين على الخيرة العملية، إلى جانب التأهيل المعرفي والثقافي.
4- ضرورة التنسيق بين كل وزارات ومؤسسات الدولة المختلفة المعنية بملف الشباب، أضافة للأكاديمية الوطنية للشباب، حتى يكون هناك توازن بين ما يتطلبه سوق العمل من خبرات وقدرات، وما يكتسبه الشباب من معارف ومهارات وقيم واتجاهات، في المراحل التعليمية المختلفة، باعتبارهم نواة رأس المال البشري في المرحلة القادمة.
5- أن تكون الأكاديمية الوطنية ذات طبيعة مستمرة، بحيث لا تتوقف في منتصف الطريق، وإلا كانت النتائج سلبية ومحبطة، حيث لا يمكن أن تتبنى العناصر النشطة في المجتمع وتوفر لهم قدرًا من الوعي السياسي، والخبرة التنظيمية، وتزودهم بمهارات قيادية، ثم تتخلى عنهم في منتصف الطريق، كما يحصل في كثير من البرامج والمبادرات.
6- العمل على تطوير خريطة للشباب توضح تفضيلاتهم السياسية والمهنية وتوجهاتهم العامة، واجراء مسح دوري لتوجهات القطاعات المختلفة من الشباب الذين يتم تدريبهم في الأكاديمية من جانب مختصين، وتحليل هذه البيانات ومن ثم نقلها لكل الجهات المعنية، المرتبطة بملف الشباب، وتضمين هذا التحليل فيما يتم اتخاذه من قرارات أو مبادرات أو مشروعات، بما يشعر الشباب بأن الدولة تهتم بما يدور في عقولهم، مما يعني مردودًا ايجابيًا لدى قطاع عريض من الشباب، وبحيث يكون هذا المسح هو البوصلة التي توجه برامج الأكاديمية وسياسات الدولة في الفترة التالية لكل مسح.
7- إطلاق منصة الكترونية شبابية على مستوى المملكة؛ لمعرفة جميع البيانات والمعلومات عن كل ما يتعلق بملف الشباب في الأكاديمية الوطنية، بحيث تجيب عن تساؤلات الشباب بشأن الحصول على فرص التدريب والتشغيل، وكل ما تعلنه الحكومة من مشروعات أو برامج جديدة خاصة بالشباب، وبما يوفر الحد الأدنى من متطلباتهم وحقوقهم وواجباتهم.
8- إطلاق فضائية متخصصة بقضايا الشباب، بهدف بث الوعي العام بكافة القضايا التي تهم الوطن وقضايا الشباب، واعداد برامج متخصصة تستهدف هذه الفئة، وتوفر التغطية الإعلامية الميدانية لكافة نشاطات ومبادرات الشباب، مع التركيز على قصص النجاح وابرازها، واتاحة المجال لحوارات في مختلف القضايا التي تهم الشباب.
9- إعداد حزمة برامج متكاملة من التمويل والدعم الفني اللازم لإدامة الأكاديمية وبرامجها.
10- إنشاء وحدة متخصصة للأبحاث في كل ما يتعلق بقضايا الشباب، لرفد صانع القرار بالأفكار والمقترحات عند صناعة واتخاذ القرار، وعمل استطلاعات رأي دورية لفئة الشباب متخصصة في القضايا التي تهمهم.