عزمي بشارة ليس أضحية سياسية
عمر شاهين
26-05-2007 03:00 AM
تابعت قضية المفكر عزمي بشارة مع المؤامرة التي أعدتها له الحكومة الإسرائيلية منذ لحظاتها الأولى عندما تسرب خبر مغادرته مع عائلته، لقد لفت المفكر عزمي بشارة انتباهي منذ أعوام طويلة مثلما لفت انتباهي ادوارد سعيد و هشام شرابي و ومنير شفيق وفيصل دراج وصدقي الدجاني من المفكرين الفلسطينيين، ومع أني قصرت في قراءة كتبه إلا أني تابعت باهتمام بالغ كل ما كان يكتب من المقالات بالشأن الفلسطيني والعربي، حيث تميزت مقالته بالتحليل والفهم العميق للحدث السياسي المبني على قراءة المتتبع وليس على محور الحركة السياسة الآنية. لم تفاجئني المؤامرة لأني توقعتها منذ زمن طويل لأنني أدرك تماما ماهية العقلية الإسرائيلية العسكرية والتي هي مداد للكولنيالية التي تسير على نهج "من لم يكن معي فهو ضدي" ومن المؤكد أن من يحمل هذا الفكر لا يمكن أن يتقبل آراء سياسية أو حوار حول رأي آخر،سيما إذا كان الحديث خارج من عقلية لمفكر فلسطيني على طريقة سعى إليها في الماضي أميل حبيبي.
بعد أن حاربت إسرائيل الفصائل الفلسطينية العسكرية في كل مكان تواجدت فيه خارجيا ومحلياً وحجمتها أو قضت عليها، ونجحت في تدمير القيادة العسكرية في الضفة و قطاع غزة حتى محت الأجيال السابقة ولم يتبق سوى بعض الشباب المقاربين عمرا لسن العشرين عادت إلى عرب عام 48 .
ليس بجديد على إسرائيل اغتيال المقاومة الثقافية فاغتيال غسان كنفاني وناجي العلي، والعشرات غيرهم يدل على تخوف إسرائيل من المقاومة الثقافية والتي ولولا لطف الله لوجهت ضربة قاصمة في العقلية الفلسطينية عبر تدبير تهمة مجهزة للمفكر عزمي بشارة .
عزمي بشارة مفكر يساري اختلف مع النمطية اليسارية الماركسية التقليدية منذ بدايته ، لا ينتمي لأي جهة عسكرية أو دينية وواقع فكره الحالي ينتمي للفكر القومي الليبرالي الثقافي الواقعي ، وهو أحد مواطني عرب 48 ، وهذا الموقع الجغرافي القادم من فكر يساري ألماني عميق متطور متحلي بالشهادة العلمية وخبرته الطويلة في الحياة السياسية العالمية والعربية –الإسرائيلية، والإسرائيلية الفلسطينية و إتقان لغات أربعة( العربية الإنجليزية، الألمانية، العبرية ) مكنته ليحتلمكانة متقدمة فكريا وسياسيا ونضاليا ايضا .
وجه بشارة ضربات فكرية قاسية للحكومات الإسرائيلية المتعنتة والرافضة للسلام وفضح غطاء أفعالها، التي يحاول الأعلام الإسرائيلي تغطيتها، وقد تمكن بشارة عبر موقعه في الكنيست وحضوره الكبير على الفضائيات ،حتى صار شوكة في حلق التغطرس الصهيوني الذي انكشف تطرفه العسكري والسياسي بعد اغتيال رايين وفشل التحقيق الفعلي لأي بنود أوسلو .
من الطبيعي أن يرفض المفكر العربي ما حدث في لبنان صيف 2006 وما يحدث منذ عام 2000 داخل الساحة الفلسطينية ،وأن يكشف زيف الحكومات الإسرائيلية التي تحاول تزيف الحقائق .
ولكن ليس هذا السبب الوحيد في تدبير المؤامرة، فقد أخطأ العرب عندما انعزلوا عن عرب 48 وتركوهم لوحدهم، وهذا ما تنبه له بشارة وحاول مزج الوسط العربي مع فلسطيني 48 وتقوية العلاقة بينهم ، وهذا ما شكل فكرة الخلاص منه .
إسرائيل تطبق القانون على مواطنيها فقط، ولكن عرب 48 لا يحصلون على شيء من هذا ، ومادامت الدولة كلها تحمل العقلية الشارونية فأن ما كان يتحدث به بشارة يشكل عداء لهم، لذا سعوا للقضاء على مستقبله السياسي وهذا أسهل ما يكون عندما تقدم الحكومة التهم الجاهزة، في ظل عدم تواجد ثقل عربي في الكنيست يتمكن من حماية بشارة ، سيما أنها تبحث عن أي مخرج لتبرير فشلها في حرب صيف 2006 ووجدت إحدى الطرق اتهام بشارة بالعمالة والتواطؤ مع أعدائها!!
كنت أتوقع أن بعض الكتاب العرب ، قفزوا عن نمطية التفكير العربية العاطفية واتجهوا نحو الواقعية وإدراك الفعل السياسي حسب التقسيم الجغرافي وتباين لغة الإعلام وما يحدث على ساحة الواقع بعيدا عن اللغة العاطفية التي أضاعت تفكيرنا وشلت فاعليتنا .
وبشبه إجماع كامل احتوت المقالات على تأيد عزمي بشارة والاتفاق على وطنيته وأهمية مشروعه السياسي الذي يدك الكنيست ، وأعجبني من تفهموا الموقف وأيدوا مغادرة بشارة لإسرائيل – فلسطين 48- وأنا كنت أكثر المحتفلين بهذه الخطوة المبكرة للمؤامرة المعدة له،أو لنقل نجاته منها، وهناك صف آخر من الكتاب والمشتغلين بالشأن السياسي كانوا يُفضلون أن يعود عزمي بشارة إلى أرضه ويدافع عن قضيته خاصة أنه على حق.
للأسف كان هؤلاء يُغيبون عن عقولهم الواقع الموجود، فهم يصدقون كلمة حرية واحترام الرأي في دولة إسرائيل التي تسجن عدة وزراء من حماس وما يقارب العشرة آلاف أسير فلسطيني معظمهم موقوفين إداريا وبينهم ألفي امرأة ، وأطفال تحت سن البلوغ يضاف لديهم أطفال رضع مع الأسيرات .
هل يعقل أن يصدق البعض أن إسرائيل دولة قانون أم دولة كونتها عصابات وجيش قادم من الحرب العالمية الثانية ، وهل من المعقول أن نقدم رجل بعلم عزمي بشارة كأضحية سياسية للدولة التي لا تقر بكل أنظمة العالم ولا تتقيد بأي توصية أو قانون وما حدث العام الماضي عندما انتهكت كل حقوق الإنسان بالقنابل الذكية والعنقودية التي استباحت الأرض والنفس في لبنان وما يحدث من أعمال إرهابية في فلسطين يبرهن للمغفل قبل العاقل أن إسرائيل دولة لا تنتمي لأي قانون و لاتهمها أي تضحية سياسية ممكن أن تقدم للعالم بأنها لا تقر بحقوق الإنسان فهاهو البرغوثي مأسور منذ سنوات بعد أن ُخطف أو أسر من رام الله، المدينة أو العاصمة السياسية المؤقتة، التي يفرض بعد أوسلو أنها تابعة للدولة الفلسطينية، فأين القوى عندما يظهر مقيد اليدين ووجهه محطم بعد السجن الفردي، فهل يعتبر المنظرين الخطابيين سجن عزمي بشارة لمدة قد تصل لخمسة عشر عاما محاربة للعنصرية الصهيونية .
إن الإيديولوجية التي تقوم عليها الدولة الصهيونية هي رفض الآخر أيا كان فكره، ومن ثم تحطيم أي مشروع عسكري أو فكري مناهض أو معادي لها .
لا نريد تعاطف الرأي العالمي فهو غير موجود ولا نريد تقديم عزمي بشارة كأضحية سياسية كما طالب البعض حتى يكون إدانة لإسرائيل وفضح حالها فقد فضح حالها كثيرا وكان الفيتو وراءها في كل مرة.
الوطن العربي هو وطن المفكر العربي القومي عزمي بشارة ونتمنى أن لا تجامل الدول العربية إسرائيل على حساب آخر المفكرين العرب الشاهدين على عنصرية الداخل الإسرائيلي .
Omar_shaheen78@yahoo.com