الرقابة الشعبية مشروعة والفيصل المختصون
أ. د. انيس الخصاونة
28-10-2019 01:34 PM
تعد الرقابة الشعبية من أهم أنواع الرقابة على أداء المؤسسات العامة في الدول الديمقراطية ،إذ أن هذه الرقابة تلعب دورا توعويا وتعبويا كبيرين بإثارتها للقضايا المهمة ذات الصلة بالناس والمؤسسات .هذه الرقابة التي يتم التعبير عنها من خلال الإعلام ومؤسساته ووسائل التواصل الاجتماعي تلفت انتباه المجتمع أو بعض شرائحه إلى موضوع أو قضية ذات صلة بالصحة العامة أو التعليم أو البيئة أو الانتخابات أو غيرها ،وتجمع المعلومات وتحشد النقاط وتعد التقارير والريبورتاجات الضرورية للتأثير على وجدان المواطنين والذي يمكن أن يستفز اهتمامهم ويحشد تأييدهم أو شجبهم للموضوع المطروح.
الرقابة الجماهيرية،أو رقابة الرأي العام كما يحلو للبعض أن يسميها، رقابة ليست بالضرورة رقابة محاسبة بقدر ما هي رقابة توعية واستنهاض لهمم وآراء الناس لممارسة دورهم في دعم اتجاه رسمي أو إحباط هذا الاتجاه.
هي رقابة إعلامية بالدرجة الأولى يمكن أن تتطور ،إذا ما تم الحشد المنطقي والسياسي له ،لينتقل الأمر للسلطات التشريعية أو التنفيذية أو القضائية.لكن نعود ونكرر أن رقابة الرأي العام ليست رقابة محاسبة في ظل وجود مؤسسات وهيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية مختصة بالمحاسبة.رقابة الرأي العام تستند لمعلومات أغلبها معلومات سطحية فيها انجرار عاطفي وتأثر لصياغة الكلمات بحيث يتمكن الكاتب الحاذق الموضوعي وكذلك الصحفي المتحيز من أصحاب الأجندات السياسية أو الشخصية أن يؤثر بشكل كبير على وجدان ومواقف العامة.
محاسبة المؤسسات الرسمية عن أدائها وقراراتها وكذلك العاملين فيها ،يحتاج إلى أدلة وبيانات وأراء مختصين ،وليس فقط إلى أساليب خطابية، وتلاعب بالألفاظ ،ومخاطبة عواطف الناس ودغدغتها.إن انتقاد مؤسسة حول قرار معين مهم أن يكون له دورا في إثارة الموضوع ووضعه على أجندة الإعلام، لكن الحكم عليه قد يحتاج إلى مهندسين أو بيئيين أو تربويين أو كيميائيين أو فيزيائيين أو اقتصاديين أو أطباء أو غيرهم.لا يجوز أن يفتي في قضايا متخصصة إلا من يفهم فيها ،ولا أعلم هنا كيف يمكن للقاصي والداني أن يدلي بدلوه ويحكم على كل قضية حتى لو كانت ذات علاقة بالنيوترون والفيزياء النووية وعلوم الفضاء. نشاهد على التلفزة وكذلك على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الجلسات العامة أنه ما أن يثار موضوع حتى ينبري للحديث فيه من لا يعرف شيئا عنه ،وإذا ما تم طرح موضوع آخر ينبري ذات الأشخاص في التفسير والحكم وكأن الفيلسوف ابن خلدون تمثل فيه كل منهم.لا أعلم كيف أن شخص متخصص بالتربة أو بعلم الجريمة أو بالدراما يتحدثون كخبراء في الاستثمار وفي التعليم العالي وفي السياسة وفي المشاريع الدولية ثم يعرجون بعد ذلك إلى القضاء العشائري وعلم الأنساب والجاهات وغيرها !
مؤسفة هذه الفوضى التي قد يثيرها إعلامي بقصد الشهرة أو بقصد الانتقام من مؤسسة لأسباب غير مهنية من خلال تقرير يفتقر للدقة والحقيقة...مؤسف هذه الفوضى التي يمكن لكاتب أو مهتم بالشأن العام أن يكتب مقالا عاما أو أن يضع منشورا على وسائل التواصل الاجتماعي لإثارة قضية قد لا يمتلك هو ذاته الإجابة عن استفهامات كثيرة حولها لتجد الكثيرين من أصحاب الأجندات أو ممن ليس لهم باع أو معرفة فيها يقومون بتزوير الحقائق وإصدار الأحكام وكأنهم قضاة أو مختصون في الموضوعات المطروحة.
ولما كان من غير المناسب وغير القانوني التحكم بحرية ورغبة الناس في إبداء الآراء، فإننا نعتقد بأن على الصحف التي تمتلك مجالس إدارة ،ومدراء عامين ،وكوادر فنية وتنفيذية، ورؤساء تحرير، على هذه الصحف أن تتنبه لدقة المعلومات وحيادية التقارير التي يعدها مراسلوها في العاصمة عمان وفي المحافظات ومناطق المملكة المختلفة.هؤلاء الصحفيين ليسوا أنبياء، وهم بشر تحركهم رغباتهم وميولهم ومصالحهم فيصورون المشهد كما يريدون ويركزوا على اللقطات التي تنسجم مع رغباتهم في شكل الصورة التي يرغبون بإخراجها عن المؤسسة.تقارير هؤلاء الصحفيين والمراسلين يمكن أن تسيء لصحفنا ولوسائط إعلامنا وتخفض مصداقيتها.على المدراء العامين ورؤساء التحرير أن يلاحظوا ويراقبوا مصداقية التقارير وصحة المعلومات فهي يمكن أن تسيء ليس فقط للصحيفة ،ولكن يمكن أن تسيء لمؤسسة يعمل كادرها ليل نهار للنهوض بها .الصحافة والإعلام مهنة شريفة ومحترمة ،وهي تمثل السلطة الرابعة في الدولة ولكنها أيضا يمكن أن تمثل السلطة المضللة إذا لم يتم ضبط إيقاعها وتحميلها مسؤولية ما تكتب.
الصحافة والصحفيين بناة حقيقيون إذا ما تمكنوا من الموائمة بين الحرية والمساءلة......