ليس لفتح ـ الاسلام علاقة بـ(فتح) الا بالاسم. بل هي نقيض ما صارت اليه فتح ياسر عرفات وابو جهاد وابو اياد وكمال عدوان. اما علاقتها بالاسلام فمن الصعب القول اي اسلام تحديدا: اسلام الازهر؟ اسلام النجف؟ اسلام قم؟ اسلام الرياض؟ اسلام بن لادن؟ اسلام حماس؟ اسلام حزب العدالة والتنمية؟ اسلام ابن رشد؟ اسلام حسن البنا؟ اسلام ابن عربي؟هناك اليوم، مثلما كان دائما علي ما يبدو، اسلامات كثيرة. اسلامات تُقدُّ وتخاط علي المقام والأوان والغرض. وهذه، في معظمها، اسلامات سياسية. فيما اسلام لا اكراه في الدين، من قتل نفسا بغير نفس، وجادلهم بالتي هي احسن، وما ارسلناك الا رحمة للعالمين، يظل في النص المقدس وحواشيه.
ومثلما لا علاقة لجماعة فتح ـ الاسلام بفتح الرصاصة الاولي، واسلامها لا يلزم غيرها، فمن المؤكد اكثر ان لا علاقة لها بالشعب الفلسطيني ولا بأولئك الذين انقضت عليهم في مخيمات البؤس نحو ستين عاما بانتظار الذي يأتي ولا يأتي. هذا مؤكد. فهم، علي ما يبدو، ليسوا من ابناء المخيم. ومعظهم لا يتحدر من عائلات فلسطينية، أما اذا اكتسبوا أنصارا في نهر البارد (وربما غيره من المخيمات) فذلك بسبب انسداد الآفاق امامهم وغياب الشرط الانساني للعيش في مخيمات إيواء مؤقتة صارت، بهمة العرب، معازل دائمة، قلاعا للبؤس والشقاء. ثم ان نسبة الفلسطينيين في هذا التنظيم لا تتجاوز، بحسب المراقبين، عشرين بالمئة. هذا أمر تعلمه الحكومة اللبنانية جيدا. انها تقول ذلك بالفم الملآن وتحرص علي ابراز هويات قتلي جماعة العبسي غير الفلسطينية. لكنها، مع علمها هذا، صوبت مدافع دبابتها، بشراسة، الي مخيم يأوي نحو اربعين الف شخص يتكدسون، في الاحوال العادية، كالسردين في بيوت وبراكيات كالعلب. ليست هناك حكومة تقبل بذبح جنودها في مهاجعهم كالخراف. ولا يقبل جيش ان توجه اليه هذه الطعنة في كرامته ويصمت. ولكن استعادة الهيبة والاعتبار لا تكون قصاصا عشوائيا من الضحايا المضاعفين: ضحايا اختطاف جماعة العبسي لمخيمهم وتحويلهم رهائن داخله، وضحايا مدافع الجيش اللبناني المصوبة اليهم.
كان الاجدر بالحكومة اللبنانية أن تري الي وضع المخيم كحالة اختطاف. وهو كذلك فعلا. فأنت كي تصل الي المختطفين (بكسر الطاء) لا تقتل المختطفين (بفتح الطاء). بفعل قاس كهذا يعالج الخطأ بالخطأ والدم بالدم. والاسوأ ان معظم الذين قتلوا في جنبات ذلك المخيم المنكوب مدنيون لا حول لهم ولا قوة.
هناك احتمالان لهذا النوع من المعالجة الامنية اللبنانية غير المسبوقة في فظاظتها: ان تكون ردة فعل متهورة علي مجزرة الجنود التي نفذتها عناصر جماعة العبسي بدم بارد، او ان تكون جزءا من مخطط اشمل يرمي الي اعادة خلط الأوراق في بلد اوراقه مختلطة اصلا.
ولكن أيا يكن الأمر. بعيدا عن لؤم السياسة. بعيدا عن الكهنوت التآمري الذي صار يطبعها هذه الايام. بعيدا عن الاقبية المظلمة التي يحاك فيها مصير مناطق عديدة من العالم، هناك أناس لا جريرة لهم قُتلوا وأناس سيقتلون ان اصر الجيش اللبناني علي اقتحام المخيم. كان هناك تعاطف كبير مع الجيش اللبناني الذي أُخذ علي حين غرة. وهو اصلا جيش، ظل حتي ايام خلت، بعيدا، الي حد كبير، عن الصراعات المدمرة بين النخب السياسية اللبنانية. لكن الجيش اللبناني لم يعد، اليوم، كذلك. فقد انزلق الي حلبة الصراع. فتح ـ الاسلام لم توجد في الساحة اللبنانية من فراغ. انسوا ظرف المخيمات البائس الذي هو، وحده، قنبلة بشرية موقوتة. هناك من يقول ان هذه المجموعة وجدت بعلم ساسة لبنانيين. هناك من يذهب الي حد القول انها مولت من قبل رؤوس كبيرة في البلد. قد لا يكون ذلك صحيحا. لكن الجيش اللبناني، في كل حال، لن يخرج بلا خلخلة ان هو اصر علي اقتحام المخيم. تركيبته وانقسام البلد يقولان ذلك. كما ان الاوضاع في لبنان قد لا تبقي علي حالة الصراع البارد التي هي عليها الآن.
هذا ما ينبغي ان يعلمه وزير الدفاع اللبناني الذي أطل من تلفزيون (العربية) يقول قول الجاهلية الاولي. فقد توعد جماعة العبسي بعشرة رؤوس مقابل كل جندي قُتل!
أهذا كلام سياسي؟
أهكذا تعالج تطورات، تقول الحكومة اللبنانية، انها ذات طابع اقليمي متشابك؟
هذا كلام وجيه عشائري من زمن الغزو والثارات وليس كلام رجل سياسة. فأين سيقتل وزير الدفاع اللبناني عشرة من جماعة العبسي مقابل كل جندي لبناني قتلوه؟ أليس في المخيم؟ هذا يعني مقتل عشرين أو ثلاثين لاجئا فلسطيينا فوق جماعة العبسي العشرة!
xxx
إدانة ما فعلته فتح ـ الاسلام ضرورية من دون التماس اعذار او تبرير. نبذها من الجسم الفلسطيني ضروري. يكفي فلسطين والفلسطينيين ما هما عليه من ترد علي غير صعيد. يكفي اقتتال (الاخوة) في غزة ويكفي قصف الطائرات الاسرائيلية اليومي عليها. ولكن هذا شيء وتعظيم آلام الفلسطينيين شيء آخر. لا بد ان هناك حلا ما غير اقتحام المخيم. لا بد ايضا للقوي الفلسطينية (حماس وفتح تحديدا) ان تخرج من حالة التخندق والمزايدة وان تتحمل مسؤوليتها في المخيمات. فبدلا من الاقتتال الصامت بين فتح وحماس علي من يمثل المخيمات (مثلما من يمثل الداخل) عليهما أن تجدا مخرجا لأزمة مخيم نهر البارد، الآن، والأهم أن تريا في اللاجئين بشرا لا أيدي تصفق ولا أعداد لرفع الرصيد.