سد النهضة ومستقبل مصر المائي
د. حازم الناصر
27-10-2019 02:55 PM
بالنظر إلى ولوج الأمن المائي العربي مرحلة جديدة من الاهتمام، خاصة في أعقاب ما شهدت المنطقة العربية مؤخراً، من مشاكل واضطرابات سياسية؛ نتيجة للشح المائي الذي أصبح يهدد كثيراً من الدول العربية، وخاصة كل من؛ العراق ومصر، نظراً لارتباط مواردهم المائية الرئيسية بدول الجوار التي تحاول الاستحواذ على أكبر كمية من المياه داخل أراضيها، بحجج التنمية الشاملة وبدون اعتبار الى مصالح دول الحوض الأسفل، مثل؛ مصر والعراق.
وفق هذه المعادلة، غدا الأمن المائي، وشح المياه مهدداً حقيقياً لسبل العيش في تلك الدول التي عليها ان تواجه أيضاً تحديات توفير مياه الشرب لمواطنيها، وإنتاج الغذاء، وتلبية الاحتياجات الاقتصادية، لخلق فرص للحياة تواجه بها أزماتها المائية التي تفاقمت مع الأيام وانتقلت إلى مرحلة من التهديد للحياة العامة وعدم الاستقرار.
في البدء، لا بد من شرح مفهوم خط الفقر المائي الذي وضعته الأمم المتحدة، وهو ١٠٠٠ م٣، للفرد سنوياً، ويشمل الاستخدامات الحياتية كافة، ونسوق ذلك لكي يقف القارئ على أبعاد نقص المياه في المنطقة العربية، عامة، وفي مصر خاصة.
تعرف حصة الفرد من المياه على أنها ناتج قسمة موارد المياه المتجددة في بلد ما؛ من انهار وينابيع ومياه جوفية وحصاد مائي على عدد السكان، كما ويعتبر خط الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة ( وهو ١٠٠٠ م٣ للفرد في العام) الحد الأدنى من المياه المطلوبة لتوفير مياه الشرب وكذلك الاحتياجات المنزلية، إضافة الى انتاج الغذاء من؛ حبوب وخضروات ولحوم، والتي تكفي الحد الأدنى لاحتاجات الفرد لمدة عام.
إن أي نقص في الحد الأدنى لتوفير المياه يعني نقصاً في إنتاج الغذاء، وبالتالي لا بد من استيراد النقص الحاصل، وبالعملة الصعبة والذي يترجم لاحقآ إلى غلاء بالأسعار والمعيشة، وهو ما يقود إلى مزيد من الفقر، يتجلى على شكل اضطرابات سياسية، كما نشهد حاليا في كثير من دول منطقتنا العربية، وليس أدل على ذلك مما يحدث في البصرة ولبنان واليمن.
إذا أسقطنا مفاهيم خطوط الفقر المائي على منطقتنا العربية، نجد أن ١٧ دولة من أصل ٢٢ دولة تقع تحت خط الفقر المائي، أي أن حصة الفرد فيها أقل من ١٠٠٠م٣، منها ١٢ دولة تعاني شحاً حقیقیاً في المیاه (تحت خط الفقر المآئي المطلٍق)، بمعنى اقل من ٥٠٠ م٣ للفرد سنوياً، لجميع الاستعمالات، وهذه الدول هي الأردن، فلسطين، اليمن، قطر، السعودية، البحرين، الامارات، الكويت، ليبيا، عمان، تونس والجزائر، مقابل خمس دول، تحت خط الفقر المائي، بمعنى اقل من ١٠٠٠ م٣ سنوياً، وهي؛ هي مصر، لبنان، المغرب، سوريا والسودان.
وعودة الى موضوع هذه الورقة، فإن الإجهاد المائي في مصر مرتبط بالزيادة السكانية، وهذا ما يجعله يشكل تهديدا خطيراً لحياة المصريين وسبل عيشهم واستقرار أعمالهم، ومن المتوقع أن تزداد الأمور سوءاً في ظل تأثيرات سد النهضة الاثيوبي، ما لم يتم اتخاذ الإجراءات المطلوبة على المستوى الوطني والإقليمي؛ في محاولة حقيقية للتصدي لأية تهديدات قادمة، وهو ما تقوم به الحكومة المصرية حاليا وبكافة السبل والامكانيات المتاحة لديهم.
علينا أن نسأل بعضاً من الأسئلة في إطار من المعالجة العلمية لأزمة لا تكف عن تهديد شعوب منطقتنا العربية، نبدأها بـ: ما هو سد النهضة الاثيوبي الذي يتم انشاؤه حالياً على نهر النيل الأزرق؟
وبالمناسبة، علينا أن نتذكر أن لنهر النيل الذي يزيد طوله عن ٤٢٠٠ ميل رافدين أساسيين، هما؛ النيل الأزرق، الذي ينبع من أثيوبيا والنيل الأبيض الذي يبدأ من بروندي.
يلتقي الرافدان في مدينة الخرطوم السودانية؛ ليشكلا معا ما يعرف بنهر النيل والذي يجري شمالا باتجاه مصر؛ فيشكل دلتا النيل قبل ان يصب في البحر الأبيض المتوسط، كما ويتشاطئ في حوض النيل الأكبر ١١ دولة بما في ذلك مصر والسودان، إلى جانب دولة جنوب السودان حديثا.
لقد بدأت أثيوبيا عام ٢٠١١ ببناء سابع أكبر سد على مستوى العالم، وبسعة ٧٤ مليار متر مكعب على نهر النيل الأزرق، وتعتبر سعة السد أكبر من الجريان السنوي لنهر النيل الازرق بحوالي مرة ونصف، وسط أحاديث عن لغز تزامن توقيت بناء السد مع الوضع السياسي الجديد الذي دخلته مصر منذ نحو تسع سنوات.
بالنسبة للمختصين وخبراء الطاقة، فإنهم يرجّحون قدرة السد المائية على توليد الكهرباء، بنحو 6000 ميغاوات، وتخطط الحكومة للاستفادة من سد النهضة بعد الانتهاء منه في زراعة نصف مليون هكتار، وتخفيف مُشكلة الجفاف المتزايدة التي يعيشها شرق إثيوبيا، علما بان فكرة بناء السد ليست بالجديدة، وتعود للأعوام ١٩٥٦-١٩٦٤، عندما تم تحديد موقع السد من قبل مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي، وقد تكون بداية الخلاف هناك، بسبب غياب تنسيق الجهات المعنية مع مصر، وحسب اتفاقية عام ١٩٢٩ والتي أكدت ضرورة التنسيق مع مصر في حال بناء أي مشروع من شأنه الاضرار بكمية مياه النيل باتجاه مصر. وقد تضمنت الاتفاقية إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة، وان لمصر الحق في الاعتراض في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده.
الاتفاقية المبرمة كانت بين مصر وبريطانيا، حيث كانت بريطانيا تمثل السودان واوغندا وتنزانيا وكينيا، وتم تخصيص ما نسبته ٩٢.٣٪ من التدفق لمصر في حين تم تخصيص ٧.٧ ٪ للسودان، وهنا لا بد من الإشارة الى ان الموقف المصري يتفهم الرغبة الاثيوبية في حماية أراضيها من الفيضان، وتوليد طاقة كهربائية نظيفة تقوم عليها بعض الصناعات وتخزين كميات كبيرة من مياه النيل، نظرا لموجات الجفاف التي تجتاح وسط القارة الأفريقية شبه سنوياً، إلى جانب استخدامها للزراعة؛ للنهوض في الاقتصاد الوطني لأثيوبيا، ولكن دون ان يكون هنالك تأثير كبير على الوضع المائي المصري شريطة التشاور والتعاون مع مصر خطوة بخطوة، وهذا ممكن من خلال الحوار واتفاق ثلاثي يضم مصر والسودان وأثيوبيا.
تعود أسباب الخلاف الى ان مصر والتي تقع على مصب النهر او ما يسمى الحوض الاسفل تعارض إقامة هذا السد الذي من المؤكد أنه سيقلل من كمية المياه التي تحصل عليها من مياه النيل، إذ تعتمد مصر بشكل كبير (أكثر من ٩٠٪) على مياه النيل؛ لتلبية مياه الشرب والري، ولها حقوق تاريخية في النهر بموجب اتفاقيتي 1929 و1959 اللتين لا تمنحان مصر حق الموافقة على مشاريع الري في دول المنبع فقط، لا بل لها حق استخدام الفيتو على أي مشاريع من شأنه التأثير على كمية المياه المتدفقة باتجاه مصر.
في العام 1929 تم توقيع اتفاقية لتقاسم المياه بين دول حوض النيل وبريطانيا بصفتها الاستعمارية، وأعطت لمصر حق النقض الفيتو لمنع إقامة أي مشروعات على نهر النيل يهدد حصة مصر المائية، وقد حددت حصة مصر المائية طبقا لاتفاقية 1929 بحوالي 48 مليار متر مكعب وحصة السودان بحوالي 4 مليار متر مكعب، الا انه وفي العام 1959 وقع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في القاهرة اتفاقية مكملة وتم إيداعها في الأمم المتحدة مع السودان لزيادة حصة مصر والسودان لتصبح حصة مصر 55.5 مليار م٣، مقابل 18.5 مليار م٣، حصة السودان، وكذلك حق مصر في إنشاء السد العالي، وإنشاء السودان خزان الروصيرص واحتفاظ كل من مصر والسودان بحقهما المكتسب في مياه النيل، وتم إيداع تلك الاتفاقية بالأمم المتحدة ايضا كإحدى وثائقها.
بالنسبة لجمهورية مصر العربية فان أمنها المائي قضية استراتيجية محسومة، ولن تسمح لأي جهة بتهديد أمنها المائي او تناقص كمية تدفق مياه النيل باي شكل او كمية من شأنها التأثير على توفير المياه، لاسيما وان الدراسات تشير الى ان الاحتياجات المائية بتزايد كبير في ظل ثبات وتناقص الموارد المائية المتوفرة.
ويزداد الامر سوءاً في حال تم تشغيل السد دون موافقة مصر على برنامج تشغيل وملء السد، اذ يحاول الجانب المصري ومنذ سنوات اقناع الجانب الاثيوبي بضرورة ملء السد على أطول فترة زمنية ممكنة والتي يجب ان لا تقل عن خمس سنوات، وفي حال الجفاف يتم تمديدها لسنتين اضافيتين؛ ليصبح المجموع سبع سنين بدلا من ثلاث، وكما يطالب الجانب الاثيوبي، وبعد المرحلة الأولى من التعبئة الجانب المصري بتدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من مياه السد سنويا، بينما تقترح إثيوبيا 35 مليار متر مكعب.
وتشير البيانات أدناه (شكل رقم ١) الى كبر حجم مشكلة نقص المياه في مصر خلال السنوات العشر القادمة؛ نتيجة للأعمال التي تقوم بها دول الحوض الأعلى، ومدى تأثيرها على استمرارية التزويد والعجز الكبير المتوقع، وما ستحمل معها من تبعات سياسية واقتصادية كبيرة على مصر، ما لم تتخذ الإجراءات اللازمة لحماية الحقوق المائية لها.
وقد بين الخبير المائي الدكتور محمود أبو زيد خلال ندوة المياه المعنونة بـ "مستقبل المياه في مصر" والتي عقدت بجامعة عين شمس في شهر اذار الماضي، بان حصة مصر من المياه انخفضت بمعدل 7.5 مليار متر مكعب؛ بسبب بناء سد النهضة الاثيوبي وهو ما يتفق مع البيانات اعلاه.
ولا بد من الإشارة الى ان النقص الحاصل في المياه مستقبلا في مصر لابد وان يعوض جزئيا، بالاعتماد على الضخ من المياه الجوفية وما يتبعه من كلف مالية وبيئية عالية، إضافة الى التوجه لتحلية المياه وضرورة الاستثمار برفع كفاءة أنظمة الري لتقليل فاقد المياه؛ ما يزيد الأعباء المالية على المواطن والمزارع المصري، وما يتبع ذلك من نقص في امدادات الغذاء، وبالتالي حتما سنكون أمام خيارين؛ إما رفع الأسعار او زيادة الدعم الحكومي، وهو ما تحاول الحكومة
المصرية تجنبه من خلال الإبقاء على مواردها المائية دون تناقص من خلال أي تأثير خارجي.
للسودان الشريكة في مياه نهر النيل مصالح في مياه النهر، من حيث توليد الطاقة الكهرومائية، أو لدرء خطر فيضاناته، كما وله علاقات اقتصادية وسياسية مع دولتي الخلاف مصر واثيوبيا، الا ان التغيرات السياسية التي يشهدها السودان منذ نهاية عام 2018 والتي أدت إلى سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، بدأت تظهر تداعياتها على علاقات السودان الخارجية، وبالتحديد فيما يخص علاقتها بجيرانها وفي مقدمتهم إثيوبيا التي لعبت دورا مباشرا في المصالحة السودانية الأخيرة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وأصبحت اثيوبيا بالنسبة للسودان الجديد دولة جوار، تحظى باحترام قوى الحكم الجديدة بالسودان، إضافة الى ان السودان أصلا لم يكن موقفه ضد بناء السد الاثيوبي كون السودان ستتخلص بشكل كبير من فيضانات نهر النيل التي تضرب المناطق المنخفضة في جنوب الخرطوم (وسط البلاد) وبعض الأجزاء من ولاية الجزيرة (إلى الجنوب من الخرطوم)، وكذلك ولاية القضارف جنوب شرق السودان.
وعادة ما تتسبب السيول في السودان بخسائر بشرية في العديد من الولايات السودانية، خاصة خلال أشهر فيضان النهر، الذي يؤدي الى أضرار مادية بالغة، من هدم لعشرات من المنازل، وطمر الطرقات في العديد من المناطق، وتعطيل المرافق العامة؛ لتزيد من معاناة المواطنين؛ ما جعل موضوع الفيضانات من اههم المواضيع في الاجندة السياسية السودانية الداخلية جنبا الى جنب مع السلام وإعادة تسكين اللاجئين.
إضافة الى الحماية من الفيضانات التي ستستفيد منه السودان، فان السودان يطمح في الحصول على الطاقة الكهربائية الرخيصة من محطات كهرباء السد الاثيوبي، وهي أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا وسابع أكبر سد في العالم عند اكتماله، وقد تم بالفعل توقيع أكثر من اتفاق بالخصوص بين السودان واثيوبيا، كما وتتضمن الفوائد السودانية من بناء السد ري دائم طول العام للمشاريع الزراعية، وزيادة المساحات المزروعة، وكذلك زيادة مساحة تخزين المياه في سد الروصيرص وسنار لإنتاج الكهرباء وتوفير ثروة سمكية وحيوانية ومراعٍ، إضافة إلى استيراد الكهرباء من اثيوبيا.
موقف الجانب المصري واضحٌ ولا يحتاج إلى تفسير، فتخفيض حصّة مِصر من المياه يعني “إعلان حرب” لا يُمكن أن يمر دون التصدّي له بكُل الوسائل”، وبدأت أصوات سياسيّة وعسكريّة داخِل مصر تُروّج لحتميّة الحل العسكري وتدمير السد الإثيوبي في حال لم يتم احترام المطالب المِصريّة، لأنّ مِصر التي زاد عدد سُكّانها عن 100 مليون نسمة تحتاج إلى حصصٍ مياه أكبر، وليس تقليصها، بسبب الزيادة السكانيّة الهائلة، و95 بالمئة من أراضيها صحراء قاحلة، ومياه النيل بالنّسبة إليها، ومُواطنيها، مسألة حياة أو موت.
وحسب الدراسات المصرية، فان مصر ونتيجة لقيام إثيوبيا بملء السد، فأنها ستكون "عرضة لفقد أكثر من مليون وظيفة و1.8 مليار دولار من الناتج الاقتصادي سنويا، كما ستفقد كهرباء بقيمة 300 مليون دولار سنويا".
كل ذلك فاقم من التخوف المصري، وخاصة بعد ان قامت خمس دول افريقية في العام 2010 وفي خطوة مفاجئة لمصر والسودان بالتوقيع على اتفاق مائي أولي جديد، وفي العام 2011، وقعت الدولة السادسة، وهي بورندي على الاتفاقية مع انشغال مصر بأحداث الثورة.
رفضت مصر والسودان الاتفاقية وتمسكتا بحصتهما المائية بناء على اتفاقية تقاسم مياه النيل 1929، والمكملة لها وهما اتفاقيتان مودعتان بالأمم المتحدة وتنصان على منح مصر 55،5 مليار متر مكعب، و 18،5 مليار متر مكعب للسودان، فيما رفضت إثيوبيا والدول الموقعة على اتفاقية عنتيبي 1929-1959 لأن بريطانيا التي وقعت عليها كانت بصفتها الاستعمارية.
إضافة الى ان البعض يرى أن مفاوضات السودان حول سد النهضة في السنوات الأخيرة من عهد البشير كانت "غير واضحة وتستند إلى تكتيكات سياسية، ولا تنطلق من ثوابت فنية، فكانت متذبذبة ومتحولة من موقف إلى آخر، فتارة مع مصر وتارة مع إثيوبيا، وهذا ما ضيع الموقف السوداني وهي من اهم دول الحوض.
الا ان المتغيرات السياسية الحديثة في كل من السودان واثيوبيا ابتداء بالثورة السودانية وانتهاء بحصول رئيس الوزراء الاثيوبي على جائزة نوبل للسلام، وكذلك تعيين عبدالله حمدوك رئيسا لوزراء المرحلة الانتقالية في السودان، وكلاهما يتمتعان باحترام وعلاقات دولية كبيرة، يحتّم على مصر المزيد من الصبر والثبات بالموقف، وحشد الدعم الدولي للموقف المصري لان مصر ليست دولة صغيرة، وعدد سكانها يفوق ١١٠ مليون نسمة، ولا توجد مصلحة لاحد في ان يكون الملف المائي ملفا َضاغطا، بدلا من كونه ملفا للتعاون الإقليمي وللتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في ظل معدلات فقر غير مسبوقة في دول الحوض الثلاث.
ولا بد من الإشارة أيضا الى ان قضايا المياه المشتركة والانهار الدولية مسائل غاية في التعقيد، نظرا للتدخلات السياسية والفنية والتوترات الإقليمية التي تنعكس بشكل سلبي على إيجاد السبل والحلول التي ترضي كافة الأطراف، وهنا لا بد من الإشادة بالموقف المصري دبلوماسيا وتكتيكيا على الرغم من حساسية الموضوع، وكما ذكر سابقا، فالجانب المصري موقفه واضح في خلاف كثير من الدول في مثل هذه القضايا، والموقف والمطلب المصري محق بكافة المقاييس السياسية والفنية، مع تفهم كبير للحاجة الاثيوبية والتي لديها موارد بديلة، وبعكس الجانب المصري التي أصبحت بدائله المائية للتزويد شحيحة ومكلفة.
وعلى الرغم من أهمية ملف مياه النيل للجانب المصري، الا ان الخيارات المصرية قد تكون قليلة، ولا بد من العمل على عدة جبهات داخلية وخارجية؛ لتوفير مزيد من المياه لسد العجز المائي نتيجة لظروف خارجية مثل؛ التأثير على كمية مياه النيل او داخلية من حيث تلبية احتياجات القطاعات المختلفة في ظل تنمية اقتصادية قادمة وزيادة في عدد السكان.
خارجيا لا بد من الاستمرار بالتفاوض مع السودان واثيوبيا حول حماية الحقوق المائية السيادية لمصر في نهر النيل وقد يكون الاتفاق القادم على "برتوكول" تشغيل السد، ولابد ان يكون "ديناميكيا" في تلبية احتياجات الطرفين، مع الاخذ بعين الاعتبار فترات الاحتياج القصوى الموسمية في البلدين، وهي مختلفة وقد تساعد مصر في الحصول على كميات إضافية خلال فترة احتياجات الذروة الموسمية.
ونظرا لان المفاوضات دخلت مرحلة جديدة في ظل المتغيرات سابقة الذكر مع كل من السودان واثيوبيا، فقد أصبح من الأهمية "الجيواستراتجية" إدخال وسيط، باعتباره طرفاً ثالثاً او رابعاً؛ لتسهيل مهمة التفاوض، ضمن ما اتفق عليه سابقا مع الاستمرار بالتركيز على الجوانب والحقائق الفنية، وتعظيم الفوائد لكافة الاطراف.
في الحقيقة، تشتد الحاجة المصرية لإقناع اثيوبيا بان تعبئة السد بين ثلاث وخمس سنوات، لا تغير الكثير على ارض الواقع بالنسبة لهم، لاسيما وان بناء السد قد بدأ منذ حوالي ٨ سنوات، وسيستمر للأعوام الثلاثة القادمة، وهناك تأخير في برنامج بناء السد سيمتد للعام ٢٠٢٣، وقد تكون هنالك فرصة للأثيوبيين للاستفادة من الخبرة المصرية في إدارة وتشغيل السدود الكبيرة وكيفية صيانتها والمحافظة عليها.
لا بد من الاستعانة بلجنة خبراء دوليين لوضع التقارير الفنية الصحيحة امام كافة الأطراف دون محاباة لأي طرف، واعتقد ان هنالك مصلحة للجانب المصري في ان يكون المجتمع الدولي والدول المانحة على اطلاع ودراية في أي اضرار قد تلحق بالاقتصاد المصري، كما وانه لا بد للحكومة المصرية من العمل مع الدول العربية للحصول على الدعم السياسي المطلوب، لا سيما وان اثيوبيا ترتبط بعلاقات اقتصادية كبيرة مع أكثر من دولة عربية، وخاصة الخليجية منها
أضف الى ذلك ان العلاقات المصرية السودانية في هذا الملف تحتاج الى المزيد من المصارحة والوضوح ولا بد من تلبية المصالح السودانية في ظِل وجود تقارب في الموقفين السوداني والإثيوبي.
اثيوبياً التوصل الى اتفاق مرضي مع مصر سيساعد اثيوبيا في جذب التمويل الدولي لنفيذ المشاريع التنموية كما وان راس مال القطاع الخاص لن يأتي في ظل ظروف التوتر والخلاف على الموارد المائية والاتفاق في هذا المجال سيجلب لأثيوبيا المزيد من الاستثمارات الخارجية خاصة في مجال الزراعة والصناعات الزراعية.
عن منتدى الشرق الاوسط للمياه